سيكون، "وإنا بكم لاحقون" على الإيمان والإسلام لا على مفارقة الدنيا؛ لأنها لا تحتاج إلى تعليق المشيئة أو في المكان، لكن هذا لا يكون إلا لأهل بقيع الغرقد، أما غيرهم فإنه ليس له خصيصة، أما في البقيع فله خاصية، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد".
وهذا الدعاء قد يكون شاملًا لكل من يدفن فيه، وقد يكون خاصًّا لمن كان في ذلك الوقت الذي دعا فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون هنا "إن شاء الله" عائدًا إلى المكان، أما عوده إلى الحال فهو صالح لكل بلد، وقيل: إن التعليق هنا للتعليل، المعنى أننا بمشيئة الله لاحقون بكم، أي: أن موتنا يكون بمشيئة الله؛ ففيه تفويض الأمر إلى الله عز وجل، قالوا: والتعليق هنا يراد به: التحقيق مقرونًا بماذا؟ بمشيئة الله، فيكون ذكر التعليق من باب التعليل، كأنه قال: وإنا بمشيئة الله بكم لاحقون، قالوا: ومثل ذلك قوله تعالى: {لتدخلنَّ المسجد الحرام إن شاء الله آمنين}[الفتح: ٢٧]. فإن هذا لا يتصور فيه إلا أن يكون من باب التعليل بالمشيئة وأن الأمور كلها بمشيئة الله عز وجل.
ثم قال:"نسأل الله لنا ولكم العافية" السؤال هنا سؤال استجداء؛ لأن السؤال إذا كان سؤال استفهام واستخبار فإنه يعدّى بـ"عن"، فتقول: سألت زيدًا عن كذا، وإذا كان السؤال سؤال استجداء فإنه يتعدى بنفسه، فيقال: سألت زيدًا كذا، وهنا الذي في الحديث من هذا الباب، المفعول الأول "الله"، والمفعول الثاني "العافية"، العافية للإنسان في الدنيا تكون من أمراض القلوب وأمراض الأبدان، والعافية للأموات تكون من العذاب الذي سببه مرض القلب، أمراض الأبدان يعرفها الأطباء الذين تعلموا هذه المهنة الطب الجسمي البدني، وأمراض القلوب يعرفها أهل العلم، وهي تدور على شيئين: شبهة، وشهوة، ففي قوله تعالى:{فلا تخضعن بالقول فيطمع الَّذي في قلبه مرضٌ}[الأحزاب: ٣٢]. هذا مرض شهوة، وفي قوله تعالى عن المنافقين:{في قلوبهم مَّرضٌ فزادهم الله مرضًا}[البقرة: ١٠]. هذا شبهة، فالأمراض القلبية كلها لو تأملتها لوجدتها تدور على هذين المرضين: شبهة دواؤها العلم، وشهوة دواؤها العمل على صراط الله المستقيم، بألا يتبع الإنسان نفسه هواها بل ينظر إلى ما يرضي ربنا- سبحانه وتعالى- فيقوم به ولو عصى نفسه ولو أهان نفسه ولو أذلها؛ لأن إهانة الإنسان نفسه لله عزٌّ ورق الإنسان لربه حرية.
إذن نقول: العافية بالنسبة للأموات هي العافية من آثار الذنوب التي هي أمراض القلوب، وأما بالنسبة لنا فمن أمراض الأبدان وأمراض القلوب.
فإن قلت: ولنا أيضًا يمكن أن يكون لنا عذاب على أعمالنا؟
قلنا: العذاب على أعمالنا في الدنيا لا يتجاوز هذين الأمرين؛ لأن الإنسان قد يعاقب على