أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فإن أجابوا أعلمهم بأن الله أفترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن أجابوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة في أموالهم، فيه أنه قال له:"فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تُؤخذ من أغنيائهم فتردُّ في فقرائهم"، فـ"افترض" بمعنى: أوجب، وأصل الفرض في اللغة: الحزم والقطع، ومنه سمِّي الحكم الحتمي فرضًا؛ لأنه مقطوع به لا يمكن أن يتخلف.
وقوله:"صدقة في أموالهم"، "صدقة" أي: زكاة لا صدقة تطوع؛ لأنه قال:"افترض"، والفرض يكون تطوعًا، وسمِّي بذلك المال صدقة؛ لأنه دليل على صدق إيمان بأذله كيف ذلك؟ لأننا نعلم أن المال محبوب إلى النفوس، والنفوس لا يمكن أن يهون عليها بذل المحبوب إلا برجاء محبوب أعظم، وكون الدافع يفعل ذلك برجاء محبوب أعظم يدل على تصديقه بثواب هذه الصدقة، فلهذا سمِّي بذل المال صدقة.
وقوله:"تُؤخذ من أغنيائهم""تؤخذ" هنا مبني للمجهول، فمن الآخذ؟ الآخذ: الإمام أو نائبه وهو الساعي.
وقوله:"من أغنيائهم"، "أغنياء" جمع غني، والغني: هو الذي عنده ما يستغني به عن غيره، هذا في الأصل، ولكن يختلف الغني باختلاف الأبواب، فعندما نقول الغني في باب أهل الزكاة يكون المراد بالغني: مَن عنده قوت نفسه وأهله لمدة سنة، وعندما قول: الغني في زكاة الفطر نقول: الغني من عنده زائد عن قوت يومه وليلته يوم العيد، وعندما نقول: الغني في باب النفقات نقول: هو من عنده ما يستطيع إنفاقه على من له إنفاق النفقة عليه، وعندما نقول: في باب الزكاة هنا نقول: الغني هو الذي يملك نصابًا زكويًّا، فهنا قوله:"من أغنيائهم" يعني: من يملكون نصابًا زكويًّا.
فإن قلت: ما هو الدليل على ذلك، أفلا تكون هذه الكلمة من الكلمات التي مرجعها العُرف؟
فالجواب: أننا لا نرد الكلمات إلى العرف إلا حيث لا يكون لها حقيقة شرعية، فإن كان لها حقيقة شرعية فالواجب الرجوع إلى الشرع كما قيل:
أمَّا هنا فقد حدِّد بالشرع، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"في الإبل في كل خمس شاة"، إذن عرفنا الآن أن صاحب الإبل متى يكون غنيًّا؟ إذا ملك خمسًا، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في الفضة: "ليس فيما دون