للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خمس أواقٍ صدقة"، إذن فالذي يملك خمس أواقٍ يكون غنيًّا، وفي الذهب: "عشرون دينارًا" فمن يملك عشرين دينارًا يكون غنيًّا، وهكذا الحبوب والثمار، "ليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقة"، فمن يملك خمسة أوسق فهو غني، فهذا الذي أوجب لنا أن نخرج كلمة "غني" عن مدلولها العُرفي إلى المدلول الشرعي، لماذا؟ لأنه وُجد لها مدلول شرعي محدد من قبل الشرع فلا يمكن أن نتعداه.

وقوله: "تُؤخذ من أغنيائهم"، الإضافة هنا هل هي إضافة للجنس أو إضافة للقوم، يعني: هل المراد: أن تؤخذ من أغنيائهم المسلمين عمومًا، أو من أغنياء أهل اليمن فقط؟ الظاهر أنها عمومًا، يعني: تُؤخذ من أغنياء الناس كلهم، وبناء على ذلك "فتردُّ في فقرائهم"، "فترد" أي: الصدقة، أي: ترجع في فقرائهم، وقوله: "في فقرائهم" دون "إلى فقرائهم"؛ لأن "رد" في الغالب تتعدي بـ "إلى"، لكن "في" أبلغ في الوصول؛ لأن مدخولها يكون ظرفًا لما قبله، فهي أبلغ من كلمة "إلى".

وقوله: "في فقرائهم" من الفقير؟ هل نقول: إن الفقير من كان فقيرًا عند الناس أو لا؟ يرى بعض أهل العلم أن الفقير ما سُمِّي فقيرًا عند الناس، وبناء على هذا فإن الفقر يكون أمرًا نسبيًّا. وقال بعضهم: إن الفقير هو الذي لا يجد ما يكفيه وعائلته لمدة سنة، وقدِّروها بالسَّنة، قالوا: لأن الزكاة تجب على رأس الحول، فإذا أعطينا الفقراء ما يكفيهم لهذه السَّنة لأنهم في انتظار زكاة العام الثاني فقيدوا الفقر بأن الفقير هو الذي لا يجد نفقته وعائلته لمدة سنة.

لو قال قائل: لماذا لا تجعلون الفقير هو الذي لا يملك نصابًا زكويًّا؛ لأن ظاهر الحديث التقابل، فما دمتم قلتم: إن الغني هو الذي يملك نصابًا زكويًّا، فإن الفقير هو الذي لا يملك نصابًا زكويًّا، وبذلك يكون من عنده خمسً من الإبل فإنه لا يُعطى من الزكاة؛ لأنه ليس بفقيرٍ، ومن عنده أربعون شاةً لا يُعطى من الزكاة؛ لأنه ليس بفقيرٍ، ومن عنده خمس أواقٍ لا يعطى من الزكاة؛ لأنه ليس بفقيرٍ، لو قال قائل هنا واستدلَّ علينا بالمقابلة، بأن قال مثلًا: إن مفهوم القول بأنها تؤخذ من غني وتُردُّ إلى فقير يقتضي التقابل، فيقال- بناء عليه-: إن الفقير هو ضد الغني، والغني قلتم: إنه من يملك نصابًا زكويًّا، فيكون الفقير من لا يملك، فبما نردُّ على هذا؟

نقول: هذا لا شك أنه إيراد قوي؛ لأن الأصل في الكلام إذا ذكر الشيء ومقابله أن يكون مقابله ضده في المعنى، ولكنا نقول: نحن إذا علمنا أن مقصود الشارع دفع حاجة المعطي صار تقيده بأن الفقير من لا يملك نصابًا زكويًّا غير وافٍ بالمقصود؛ لأن الرجل قد يكون عنده عائلة كبيرة وخمس من الإبل لا تكفيه ولا لمدة شهرين فيكون محتاجًا إلى الزكاة، فما دمنا قد علمنا العلة-وهي أن المقصود بذلك سد حاجة الفقير- فليكن ذلك محققًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>