أما هنا اتخذها للتنمية؛ إنسان ينمي الإبل يتخذها للدر والنسل، ولا يضره إذا باع منها ما يزيد على حاجته أو إذا باع الأولاد، لكن إذا كان المقصود التنمية فهذه أقل نصابها "خمس من الإيل"، ولهذا قال:"فإن لم يكن".
وقوله:"إلا أن يشاء ربها": الاستثناء هنا منقطع؛ وذلك لأن الواجب لا يحال على المشيئة أو لا يخير فيه الإنسان، ولو جعلناه استثناء متصلًا لكان المعنى: فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربُّها ففيها صدقة، والأمر ليس كذلك؛ لأن الواجب لا يُخيَّر فيه الإنسان ولا يُرد في أمره إلى مشيئته، فالاستثناء إذن منقطع، يعني: لكن إن شاء ربُّها أن يتصدق بشيء فلا مانع، يعني: الذي عنده أربع من الإبل لو أراد أحد أن يتصدق عنها بشاة من الغنم فلا حرج؛ لأن الصدقة خير وبابها مفتوح، وأما أن نقول: هذا واجب عليك فليس كذلك.
"وفي صدقة الغنم في سائمتها ... إلخ"، "صدقة" أي: زكاة، و"الغنم" يشمل الضأن والمعز، والفرق بين الضأن والمعز واضح، التي لها ذيل مرتفع يسمى الماعز، يقول:"في سائمتها" يسميها النحويون بدل اشتمال بإعادة العامل فكأنه قال: وفي سائمة الغنم، في الإبل أظنه ما قال:"في سائمتها"، ولكنه سيأتينا- إن شاء الله- في حديث بهز بن حكيم ذكر ذلك في كل سائمة إبل، وعلى هذا فلا بد من السَّوم في الغنم والإبل أيضًا.
أما الغنم فكما تشاهدون، وأما الإبل فلحديث بهز بن حكيم وللقياس الجلي، فإنه إذا كانت الغنم يشترط فيها السائمة ففي الإبل من باب أولى؛ لأن الإبل أشد مؤونة وأكثر وأعظم، ما معنى السَّوم؟ قال الله تعالى:{هو الذي أنزل من السماء ماءً لكم منه شرابٌ ومنه شجرٌ فيه تسيمون}[النحل: ١٠]. يعني: ترعون؛ فالسَّوم بمعنى: الرعي، وهي التي ترعى ولا تُعلف، كم ترعى السائمة، هل السنة كاملة؟ هذا يكون نادرًا في الغالب؛ لأن في أيام غير الربيع قد تحتاج المواشي إلى إعلاف؛ ولهذا قال العلماء: السائمة هنا هي التي ترعى الحول كله أو أكثره، فجعلوا الأكثر له حكم الكل، أما إذا كانت ترعى نصف الدهر وتُعلف تصف الدهر فليس فيها شيء، وإذا كانت ترعى أقل الدهر وتعلف أكثره فليس فيها شيء، وإذا كانت تعلف كل الدهر فليس فيها شيء، فكم الأقسام؟ نعدها تُعلف كل الدهر هذا واحد، تعلف بعض الدهر هذا الثاني، تُعلف نصف الدهر هذه ثلاثة، تسوم أكثر الدهر أربعة، تسوم كل الدهر خمسة، اثنان منها فيه الزكاة وثلاثة لا زكاة فيها، أما التي تُعلف الدهر أو أكثره واضح، يبقى التي تسوم نصف الدهر وتُعلف نصف الدهر هذه اشترك فيها موجب ومانع على السواء قالوا: فيغلب جانب المانع اعتبارًا بالبراءة