فالآن لو قال قائل: لماذا كان الجبران شاتين في مقابل خمسة عشر بعيرًا؟
نقول: لأنه كلما زاد العدد نقصت النسبة بخلاف الذي عنده خمسة عشر فعليه ثلاثة شياه، وقوله:"إن استيسرتا له" يعني: إذا كانت موجودة عنده متيسرة، فإن لم تكن عنده فإنه لا يلزم بالشراء ولكن يدفع عشرين درهمًا، وهذا يدل على أنه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت الشاتان تساوي عشرين درهمًا؛ يعني: الشاة بعشرة دراهم.
يقول:"ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة"، "بلغت" أي: وجبت صدقة الجذعة وهي من (٦١) إلى (٧٥)، "وليست عنده جذعة وعنده حقة" الجذعة: هي التي لها أربع سنوات، "عنده حقة"، يعني لها ثلاث سنوات، "فإنها تقبل منه". "تُقبل" مبنية للمجهول، والقابل هو المصدق، وتقبل منه حقة ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهمًا" جبرًا لما نقص من السِّن؛ لأنه معلوم الفرق بين الحقة والجذعة سنة كاملة وهذا تتغير به القيمة، لكن الشارع هنا لم يقل: عليه الفرق بين القيمتين، وكان الذي يتبادر إلى الذهن أن يقول: فإنها تقبل منه الحقة ويدفع الفرق بين القيمتين، وإذا كان كذلك فإن هذا يختلف باختلاف الأزمان والأماكن، قد تكون سنة من السنوات الفرق بينهما خمسون درهمًا، وقد تكون في سنة الفرق مائة، وقد يكون في سنة ثلاثين لكن لم يقل ذلك، وإنما حددها بنفسه حتى لا يحصل النزاع والخصام بين المصدِّق والمصدَّق، المصدَّق هو دافع الصدقة والمصدِّق هو آخذ الصدقة؛ لأننا لو رجعنا إلى الفرق بين القيمتين لكان المصدَّق يقول: الفرق مائة، والمصدِّق يقول: الفرق مائتان يزيد، فمن أجل دفع النزاع وقطع الخصام قدَّرَهَا الشارع، نظير هذا ما جاء في "المصراة" إذا تبين له التصرية، والمصراة هي التي حُبس لبنها عند البيع من إبل، أو بقر، أو غنم، يحبس عند البيع من أجل إذا رآها المشتري يظن أنها كثيرة اللبن، فالشارع جعل له الخيار ثلاثة أيام ويُردُّ معها صاعًا من تمر عوضًا عن اللبن، ليس المحلوب بعد العقد، بل عن اللبن الموجود حين العقد؛ لأنه هو الذي نما ونشأ في ملك البائع، أما ما بعد العقد فإنه في ملك المشتري ليس له قيمة، هذا اللبن الذي هو في ضرع البهيمة عند العقد لو قدر بالقيمة يحصل نزاع هذا يقول: مد، وهذا يقول: ربع مُد؛ فالشارع قطع النزاع وجعل الواجب صاعًا من تمر حتى ينتهي الموضوع، هذا مثلها: - والله أعلم- أنه جعل شاتين أو عشرين درهمًا، يبقى عندنا "العشرون درهم" معروفة، لكن الشاتان أفلا تختلف؟ بلى، لكنها تكون على نحو الإبل جودة ورداءة، ويتبع في ذلك العدل فلا تؤخذ شاتان طيبتان والإبل من الوسط ولا العكس، وإنما تؤخذ شاتان على قدر القيمة فتكون متوسطتين، فإن لم يتيسرا لصاحب الإبل فإنه يدفع عشرين درهمًا بالعدد.