قال:"ومن بلغت عنده" أي: وجبت عنده "صدقة الحقة" ولها ثلاث سنوات، "وليست عنده الحقة وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدِّق عشرين درهمًا أو شاتين" لماذا؟ دفعًا للزائدة" لأن الآن المصدَّق الدافع دفع أكثر مما يجب عليه فيعطى عوضًا عن الزائد شاتين، أو عشرين درهمًا هنا يقول: "عشرين درهمًا أو شاتين"، و"أو" هنا للتخيير، ولم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن استيسرتا له"، وعلى هذا فيجب على المصدِّق أن ينظر الأصلح لأهل الزكاة بشرط ألاَّ يكون في ذلك ظلم على صاحب الحق، فإذا رأى أن الأفضل أن يدفع عشرين درهمًا فعل أو شاتين دفع شاتين.
قال المؤلف: "رواه البخاري"، لكن البخاري رحمه الله رواه مفرَّقًا في صحيحه كعادته في أغلب الأحيان، حيث إنه يذكر الأحاديث مفرقة إما على حسب الأسانيد أو على حسب الأبواب كما يرى رحمه الله، لكن المؤلف رحمه الله جمعه وهذا حسن.
هذا الحديث حديث عظيم وفيه فوائد كثيرة جدًّا فنبدأ بفوائده: أولًا يقول: "إن أبا بكر كتب له .... إلخ.
فيستفاد من هذا: العمل بالكتابة في الحديث، وأن أصل كتابة الحديث موجودة في عهد الخلفاء كما هو موجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"اكتبوا لأبي شاة"، وكان عبد الله بن عمرو بن العاص من أكثر الصحابة حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه كان يكتب الحديث، والعمل بالكتابة في نقل الحديث وروايته أمر مجمع عليه مع دلالة النصِّ عليه وإشارة القرآن إلى ذلك، فإن الله تعالى جعل الكتابة من الطرق التي تتوثق بها الحقوق:{يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمى فاكتبوه}[البقرة: ٢٨٢].
وفيه أيضًا: جواز الإشارة إلى ما ليس بموجود بل متصور في الذهن لقوله: "هذه فريضة الصدقة"، وهو قبل أن يكتبها.
ومنها: أن الصدقة بجميع أحوالها وأوصافها وأنواعها ومقاديرها فريضة حتى في صرفها فريضة ليست راجعة إلى اختياري أنا الذي وجبت علي، بل هي فريضة من الله حتى في صرفها لما ذكر الله عز وجل أهل الزكاة قال:{فريضةً من الله}[التوبة: ٦٠]. فلا يجوز لنا أن نتعدى ما فرض الله فيها، كما لا يجوز لنا أن نتعدى ما فرض الله في الصلاة، فلا يجوز لنا أن نتعدى ما فرض الله في الزكاة.
ومنها أيضًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم يضاف إليه الفرض لقوله: "التي فرض"، إذن هو يفرض كما أنه يوجب ويأمر؛ فهو يوجب كما في قوله صلى الله عليه وسلم: غسل الجمعة واجب على كل محتلم"، وهو