للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يأمر كما في أحاديث كثيرة لا تحصى، وهو أيضًا يفرض كما في هذا الحديث وكما في قول عبد الله بن عمر: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعيره".

فإن قلت: هل يستقل الرسول صلى الله عليه وسلم بالحكم وبحكم من عنده؟

فالجواب: أن هذا على قسمين: قسم يكون بالوحي، وقسم آخر يكون من عنده، لكن إقرار الله له يجعله في حكم الحكم، كما قلنا: إن الصحابي إذا فعل فعلًا وأقره النبي صلى الله عليه وسلم يكون في حكم السُّنة، كأن الرسول هو الذي قاله أو فعله، كذلك أيضًا ما حكم به الرسول صلى الله عليه وسلم وأقره الله عليه فإنه يضاف إلى الله تعالى وحيًا على سبيل الإقرار.

ومنها: أن هذا الفرض الذي فرضه الرسول صلى الله عليه وسلم فرض على المسلمين، فهل يؤخذ منه أن الكافر لا يخاطب بفروع الشريعة؟ ظاهره كذلك، وهو كذلك أيضًا بالنسية للمخاطبة في الدنيا، فإننا لا نخاطب الكافر بالزكاة وهو لم يستلم أبدًا، وفي حديث معاذ الذي قبل هذا الحديث أمرهم أن يدعوهم أولًا إلى التوحيد، ثم إلى الصلاة، ثم إلى الزكاة، ومن الجهل جدًّا أن تقول لكافر يقابلك- سيشرب الدُّخان- يا رجل هذا الدخان حرام، هل هذا يصلح؟ لا يصلح، فلأن تأمره الأول بالإسلام أهم من شرب الدخان.

إذن هم لا يخاطبون بفروع الإسلام في الدنيا، لكن في الآخرة يعاقبون عليها، وهنا ثلاثة أمور بالنسبة لشرائع الإسلام في حق الكافر:

أولاً: لا يخاطب بها في الدنيا فيلزم بها، بل نقول له: أسلم.

ثانيًا: إذا أسلم لا نأمره بإعادتها أو لا نأمره بقضائها؛ لأن الله يقول: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [الأنفال: ٣٨]. ولهذا لا نضمنهم لو كانوا قاتلين لآبائنا وإخواننا وأبنائنا؛ لأن الإسلام يهدم ما قبله.

ثالثًا: بالنسبة للخطاب في الآخرة يعاقبون عليها؛ بدليل قوله تعالى: {يتساءلون * عن المجرمين * ما سلككم سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين} [المدثر: ٤٠ - ٤٦]. فذكروا ثلاثة أشياء.

لعل قائلًا يقول: إن كونهم يكذبون بيوم الدِّين هو الذي أوجب لهم الدخول في النار؛ لأنه كفر فلا نسلم أن يكونوا مخاطبين بالفروع، فما الجواب؟ .

الجواب أن نقول: لولا أن لتركهم ذلك أثرا في دخولهم النار ما ذكر؛ لأن ذكره عبث لا فائدة منه، فهم يخاطبون بها في الآخرة، بل إنهم يعذَّبون على الأمور المباحة للمسلم من الأكل والشُّرب واللباس، هم يعاقبون عليها وهو مباح للمسلم، ما الدليل؟ قوله تعالى: "ليس

<<  <  ج: ص:  >  >>