عليه بل قال:{عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكذبين}[التوبة: ٤٣]. فقوله:{عفا الله عنك} بدأ بالعفو عما حصل قبل أن يذكره، قال:"عفا الله عنك" وقال اللله تبارك وتعالى: {يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك}[التحريم: ١].
إذن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجتهد في الأحكام، ثم إن أقرع الله فهو الشرع من عند الله، وإن لم يقره الله - وهو نادر نادر نادر- فإنه يرتفع الحكم، أخذ الفداء من أسرى بدر لم يقره الله عز وجل بل قال:{لولا كتب من الله سبق} في تكميل الرسالة واستمرارها {لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم}[الأنفال: ٦٨].
وهذه المسألة طال فيها الجدل بين العلماء، وعندي أنه ليس فيها - والحمد لله- إشكال، وأنها واضحة أن الرسول يأمر وينهى سواء كان بوحي من الله أو بإقرار من الله.
ومن فوائد هذا الحديث: تأكد استعمال السواك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنعه من الإلزام به إلا المشقة.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الأصل في الأمر الوجوب لقوله: "لأمرتهم" هكذا استدل بعض أهل العلم بذلك وقالوا: إن هذا يدل على أن الأمر المطلق يكون للوجوب، ولكن قد يناقش ويقال: إن قوله: "لأمرتهم" أمر إلزام، وإلا فمطلق الأمر ثابت، لكن كون الأمر للوجوب أو للاستحباب أو للإرشاد والتوجيه لا يمكن فيما تتبعته أن ينضبط بضابط؛ لأن بعض الأوامر تكون للوجوب بالاتفاق، وبعض الأوامر تكون لغير الوجوب بالاتفاق، وبعض الأوامر تكون محل نزاع، ولهذا اختلف فيها العلماء:
منهم من قال: الأصل في الأمر الوجوب، واستدل لقوله.
ومنهم من قال: الأصل في الأمر الاستحباب؛ واستدل لقوله.
ومنهم من قال: ما كان مقصودا به التعبد فالأمر فيه للوجوب، وما كان المقصود به التأدب فالأمر فيه للاستحباب، وهذا أقربها من حيث العموم وإلا فقد يكون من الآداب وهو واجب.
فإن قال قائل: أنا أريد أن أشق على نفسي وأتسوك عند كل وضوء، فهل هذا هو الأفضل أو الأفضل أن يأخذ برخصة الرسول - عليه الصلاة والسلام-؟ الثاني، وقد يقال: إن كان فيه مشقة بينة فالأفضل إتيان الرخصة، وإن لم يكن فيه إلا أن تخرج السواك من جيبك وتدلك أسنانك فافعل؛ لأن هذا في الحقيقة ليس فيه مشقة.
وقوله: -عليه الصلاة والسلام-: "وبالسواك" قلنا: المراد بذلك: التسوك، وبناء على هذا هل تحصل فضيلة السواك بغير العود، أي: بغير عود الأراك؟ فيه خلاف: