ربع العشر قال ما فيها من الفضة أم كثر حتى لو بلغت عشر أواق فإن هذه إذا نقصت عن المائتين فليس فيها زكاة، وهذا مبني على ما سبق من حديث أنس وهو متفق عليه، وهذا أيضًا متفق عليه.
ويمكن أن يجاب بأن يقال: في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت الدراهم المائتان كانت خمس أواق، وعلى هذا فلا خلاف بين الحديثين، أما نحن فإذا اختلف الوزن والعدد فإننا نقدم القاعدة بأن نقدم الأحب للفقراء، فإن كان الأحب العدد أخذنا به، وإن كان الأحب الوزن أخذنا به.
والحديث الثاني حديث أبي سعيد:"ليس فيما دون خسة أوسق من تمر ولا حب صدقة"، "دون" بمعنى: أقل، و"خمسة أوسق"؛ أي: خمسة أحمال: لأن الوسق الحمل، سمي بذلك: لأنه يوسق على الناقة ويربط، وكل حمل عند العرب معروف ستون صاعا، فتكون الخمسة ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، وصاع النبي صلى الله عليه وسلم يبلغ كيلوين وأربعين غرامًا، فاضرب ثلاثمائة في كيلوين وأربعين غرامًا حتى يتبين لك مقدار النصاب بالغرامات وهو حوالي ستمائة واثني عشر غرامًا، هذا هو نصاب التمر، والحبوب أيضًا.
وقوله:"ومن تمر ولا حب" الحب معروف، لكن هل هو الحب الذي يكون مطعومًا ومقتاتًا، أو كل حب؟ في هذا خلاف، والأقرب أن المراد به: الحب الذي يقتات ويدخر، فكل مكيل من تمر أو حب ففيه الزكاة ولا زكاة فيه حتى يبلغ خمسة أوسق، أي: ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم.
نستفيد من هذا الحديث: حكمة الشارع في عدم وجوب الزكاة في القليل، لأنه لو أوجب الزكاة في القليل لكان في ذلك إجحاف على الملاّك، ولو جعل الأمر لا حد له لكان في ذلك إهدار بحق أهل الزكاة، ولو جعل الأمر موكولًا على الناس لاختلف الناس في البذل والمنع؛ لأنا نعرف أن من الناس من هو كريم يبذل من القليل الكثير، ومن الناس من هو بخيل يمنع القليل من الكثير فلما كان الناس يختلفون في ذلك في تقدير المال حدده الشرع قطعًا للنزاع وضبطًا للواجب، إذن النصاب لا يرجع للعرف، وإنما يرجع إلى الشرع، فلو قدر أننا في زمن تكون ثلاثمائة صاع شيئًا قليلًا لا يؤبه له ولا يعد مقتنيها غنيًا فتجب الزكاة ولو كنا في وقت مائة الصاع تعتبر مالًا كثيرا، ويعد مالكها من الأغنياء، فإن الزكاة لا تجب فيها، فمن ثم حدد الشارع النصاب حتى لا يختلف الناس في وجوه الزكاة، وهناك أشياء أيضًا محددة من جنس هذا التحديد كصدقة الفطر وكصاع المصراة من الإبل أو الغنم إذا وجدها المشتري مصراة؛ أي: محبوسًا لبنها حتى يراها المشتري كثيرة اللبن فإن له الخيار بعد أن يحلبها ثلاثة أيام إن شاء أبقاها وإن شاء ردها ورد معها صاعا من التمر، الصاع من التمر ليس عوضًا على ما أخذه من اللبن في هذه المدة لكنه عوض عن اللبن الموجود في الضرع حين العقد؛ لأنه هو الذي وقع