الحبل فيبلغ عشرة أمتار، تزن هذا الشيء فيبلغ عشرة كيلوات، تكيل هذا الشيء فيبلغ عشرة آصع، هذا يكون تقديرا متيقنًا إذا لم تفعل هكذا، ولكن قدرته فيسمى هذا خرصًا، والخرص معتبر فيما يتعذر فيه اليقين، أو يتعسر، بناء على القاعدة المعروفة عند أهل العلم، والتي دل عليها الشرع:"أنه إذا تعذر اليقين عملنا بغلبة الظن".
"إذا خرصتم" معناه: قدرتم الشيء على سبيل التحري والتخمين، وما الذي يخرص؟ هو الثمار كالعنب والتمر؛ لأن الثمرة فيها ظاهرة بارزة فيخرص، وأما الزروع فقال العلماء: إنها لا تخرص لأن الحب المقصود مستتر بالسنابل، فلا تمكن الإحاطة به، فخرصه لا يكون على سبيل التحري؛ لأن التحري فيه متعذر، أو متعسر؛ ولهذا قالوا: لا تخرص الزروع، حتى إن بعض أهل العلم حكى الإجماع على أن الزرع لا يخرص، والعمل الآن على خلاف ذلك فإن الناس يخرصون الزروع، ويقولون: إن أهل الخبرة يقدرون ذلك بالتحري والتخمين كما يقدرون ذلك بالثمار، ولا شك أن التقدير في الثمار أقرب إلى اليقين؛ لأن الثمرة مشاهدة في العنب أو في التمر بخلاف هذا، إذن الذي يخرص الثمار فقط من التمور والأعناب.
وقوله:"فخذوا ودعوا الثلث"، "خذوا" أي: خذوا ما يجب فيها من الزكاة، ففي ألف كيلو فيما يسقى بمؤنة نصف العشر خمسمائة كيلو، وفيما يسقى بلا مؤنة العشر مائة كيلو، لكن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"دعوا الثلث" هل المراد: دعوا الثلث من أصل المال فلا تأخذوا عنه زكاة، أو دعوا الثلث أي: مما يؤخذ حتى يؤديه صاحبه؟ فيه احتمالان في الحديث، وهما قولان لأهل العلم؛ لأن كلمة:"إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث" ظاهر الحديث يقول: "دعوا الثلث" من الواجب، لماذا؟ يبقيها للمالك، لأنه ربما يكون لديه أناس من أقاربه من أهل الزكاة فيعطيهم، أو أناس من أصحابه من أهل الزكاة فيعطيهم، فجعل الشارع ثلث الواجب باقيا للمالك يتصرف فيه كما يشاء يعطيه لمستحقه؛ لأننا لو أخذنا منه الكل، وكان له أقارب أو جيران أو أصدقاء ينظرون إلى ملكه في ثماره، ثم يحرمهم من زكاته كان في نفوسهم شيء من ذلك، فجعل الشرع له الثلث، وهذا الذي فسرنا به الحديث هو الذي يوافق ما سبق في الأحاديث في قوله:"فيما سقت السماء العشر"، لأننا لو فسرنا الحديث على الاحتمال الثاني الذي هو أن ندع ثلث الزكاة فلا تجب عليه لكان فيما سقت السماء ثلثا العشر، وفيما سقي بالنضح ثلث العشر، فجمعًا بين الأحاديث نقول إن المراد بقوله:"دعوا الثلث" أي: دعوا الثلث من الواجب يؤديه المالك حتى تبقى عموم الأحاديث على ما هي عليه، ويكون هذا له وجه من النظر، وهو تفسير يحتمله الحديث:"دعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربعة".
قوله:"فإن لم تدعوا الثلث" هل هذا على سبيل الخيار المطلق للسعاة الذين يأخذون الزكاة