يجب عليهم، كإسقاطه عنهم وحرمانه الفقراء، والأصل براءة الذمة؛ لأن هنا هل الاحتياط أن تلزم بالزكاة احتياطا لأهل الزكاة أو لا نلزم احتياطا لحماية أموال الناس؟
فقد تعارض الاحتياطان، قالوا: وإذا تعارض الاحتياطان تساقطا ورجعنا إلى الأصل، وهو أن الأصل براءة الذمة، هذا وجه من رجح القول بأن هذا الحصر حصر أعيان، لكن المشهور عند أكثر أهل العلم أنه حصر أوصاف.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإمام الموجه للسعاة أن يبين لهم ما تجب فيه الزكاة مما لا يجب حتى يكونوا على بصيرة من أمرهم لقوله: "لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأصناف"، وهكذا شأن كل من ولى أحد على ولاية أن يبين له ما يجب عليه فيها حتى تقوم عليه الحجة وتبرأ ذمة المولى.
٥٨٩ - وعن عتاب بن أسيد رضي الله عنه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن يخرص العنب كما يخرص النخل، وتؤخذ زكاته زبيبًا"". رواه الخمسة، وفيه انقطاع.
قوله: "كما يخرص النخل" يعني: ثمر النخل، والعنب ثمر العنب، وسبق لنا أن معنى الخرص هو الظن والتخمين، وأنه عمل به لدعوة الحاجة إليه كما أمر بالقرعة لدعوة الحاجة إليها.
وقوله: "كما يخرص النخل" هذه تشبيه للأصل بالأصل، وإلا فمعلوم أن خرص العنب في الغالب أشق من خرص النخل؛ لأن بروز ثمرة النخل واضح، لكن العنب خفي يختفي بالأوراق فهو يحتاج إلى عناية أكثر وإلى ضبط أكثر.
وقوله: "تؤخذ زكاته زبيبًا" يعني: لا عتبا؛ لأن الزبيب هو الذي يدخر، أما العنب فإنه يفسد.
وظاهر الحديث: أن العنب الذي تجب زكاته هو ما يكون زبيبًا، وأما العنب الذي لا يزبب فإن العلماء اختلفوا فيه؛ فمنهم من ألحقه بالفاكهة والخضروات، ومنهم من ألحقه بالذي يزبب، وقال: إنه يقدر زبيبًا، لم يذكر في الحديث نصاب الزبيب، ولكنه ملحق بثمر النخل، وقد يشعر قوله: "كما يخرص النخل" بذلك، وأن نصابه كنصاب النخل، وهو هكذا يقينا فيما عدا ثمار النخل، وثمار العنب هل يخرص أو لا مثل الزروع؟ تقدم لنا أن في المسألة خلافًا، وأن أكثر أهل العلم، بل حكي إجماعا أن الزرع لا يخرص، وعللوا ذلك بأن المقصود منه مستتر بقشوره فلا تمكن الإحاطة به، بخلاف النخل والزبيب فإن المقصود منه ظاهر بارز.
وقلنا: إن عمل الناس اليوم على خلاف ذلك، وأن أهل الخبرة يعرفونه ويقدرونه تقديرا قد يكون منضبطا، وهذا هو الذي عليه العمل.