كذلك، وهي "جميلة" فقال: "إني أخاف الله" إذن المكان خال ما عندهما أحد، والرجل قوي عنده شهوة، ما الدليل؟ الدليل: أنه لم يذكر مانعًا سوى خوفه من الله، لم يقل: والله ما عندي شهوة، ولم يقل: عندنا ناس، ولم يقل: أخشى أن يرانا أحد، أو أن يسمع بنا أحد أبدا. ما خاف إلا من الله عز وجل، هذا يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله لكمال عفته، فالأسباب للفتنة موجودة وهو الحسب والجمال، والموانع مفقودة لا توجد موانع من الخلق تمنعه، ولكن يمنعه خوف الله، فقال:"إني أخاف الله" وتركها، وهذا له أسوة بيوسف- عليه الصلاة والسلام-، فإن يوسف دعته أمرأة العزيز:{وغلق الأبواب وقالت هيت لك}[يوسف: ٢٢]. ولكنه امتنع من ذلك خوفا من الله وإلا فإن الرجل ليس مفقود الشهوة بل عنده قدرة، {ولقد همت به وهم بها}[يوسف: ٢٤]. ولكنه- عليه الصلاة والسلام- بعد أن هم رأى برهان الله عز وجل وهو ما جعل الله في قلبه من نور الإيمان فتركها، فصرف الله عنه السوء والفحشاء لأنه كان من عباد الله المخلصين.
أما السادس: فهو "رجل تصدّق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه"، تصدق بصدقة، الصدقة هنا أعم من أن تكون نفلًا، فهي شاملة للواجب والمستحب، "تصدق بها. فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تفق يمينه"، قال: إن المراد بالشمال من على شماله يعني: من الناس بحيث يمدها هكذا من اليمين ولا يطلع عليها أحد. وقيل: لا تعلم شماله؛ أي: يده الشمال ما تنفق يميته، وهذا أقرب، ولكن من المعلوم أنه كناية عن شدة الإخفاء، حتى إنه لو أمكن أنه لو تعلم اليد اليسرى ما أنفقت اليمنى لحصل. لا يقال: إن هذا مجاز، نقول: لأن كل أحد يعرف بأن اليد اليسرى ليس عندها علم، لكن المعنى: أنه لشدة إخفائها لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، وهذا لكمال إخلاصه لله عز وجل وكمال رحمته بأخيه الذي تصدّق عليه حتى لا يخجله أمام الناس لأن كثيرًا من الناس يكره أن يطلع الناس أنه فقير يتصدق عليه، فهذا الرجل لشدة إخلاصه وأنه لا يريد أن يمدحه أحد لنفقاته أو صدقاته، ولشدة رحمته بأخيه حتى لا يرين أحد من الناس أنه من عليه بالصدقة أخفى هذه الصدقة.
أما السابع:"فرجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه" شوقًا إلى ربه عز وجل، ومحبة للقائه وأنه ذكره خاليا عن حضور الناس أو خالي القلب عما سوى الله، أو الأمران؟ الظاهر الأمران خاليا عن حضور الناس؛ فهو لم يبك رياء وملمعة خاليا قلبه عما سوى الله لأن القلب إذا صفا وخلا من غير الله صار عنده من الخشوع والشوق إلى الله عز وجل والخوف من عقابه ما لا يكون إذا كان متعلقا بغير الله- سبحانه وتعالى-، فهذا الرجل ذكر الله خاليًا سواء كان يقرأ، أو يصلي، أو يتأمل، أو يقرأ في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أو ما أشبه ذلك، المهم: أنه خال ففاضت عيناه شوقًا إلى ربّه، والإنسان أحيانًا يشتاق إلى الله- سبحانه وتعالى- حتى يود أنه ملاقيه الآن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أسألك الشوق