للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذن لو أني وصفت الوضوء وقلت: افعل كذا وافعل كذا، وافعل كذا بأدق وصف، ثم شاهدته أنت عمليا أيهما أشد إدراكا؟ الثاني أشد.

ومن فوائد الحديث: جواز الوضوء لقصد التعليم، ولكن هل نقول: إن عثمان رضي الله عنه قصد التعليم والعبادة، وأنه إنما خرج عن نية العبادة في إظهار هذا الوضوء فقط، وإلا فهو يريد أن يتوضأ أو أنه توضأ عبثا؟

الظاهر الأول: أنه قصد التعبد، لكن قصد أن يكون أمام الناس من أجل أن يعلمهم.

ينبني على ذلك مسألة مهمة، لو أن إنسانا أراد أن يعلم الأطفال الصلاة وصلى صلاة تامة من أولها إلى آخرها بدون قصد النية لكن يعلمهم فقط، فهل نقول: هذا مشروع او غير مشروع؟ نقول: أما لو قطعه وجزأه وقال للصبي: ارفع يديك قل هكذا، ثم سبحانك اللهم وبحمدك، ثم اقرأ الفاتحة، ثم إذا قرأت الفاتحة اقرأ سورة، ويكلمه كلاما، ثم اركع وقل هكذا هذا لا بأس به وإلا إشكال فيه، لكن قول: الأفضل أن يجعلها عبادة تعبد ليستفيد ويفيد.

يتفرع على ذلك أيضا شيء آخر: بعض الناس في مشاهد التمثيليات يجعلون إنسانا يصلي على أنها تمثيلية وهذا حرام عليه، لا يجوز أن تمثل العبادات تمثيل مشاهدة للمرح أو ما أشبه ذلك، بل يجب الكف عن هذا، وكذلك بعضهم يأتي بقرآن وما أشبه ذلك، كل هذا لا يجوز في مثل هذه الأشياء التي هي للمرح والترويح عن النفس دون قصد التعليم.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه يشرع غسل الكفين ثلاث مرات قبل الوضوء، دليله: أن عثمان فعل ذلك، وقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا.

وهل هذا الغسل واجب؟ لا ليس بواجب بل هو سنة، والدليل على أنه ليس بواجب قول الله - تبارك وتعالى-: {يأيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلىلصلوة فاغسلوا وجوهكم} [المائدة: ٦]. ولم يذكر غسل الكفين، فدل هذا على أن غسل الكفين قبل غسل الوجه ليس بواجب وإنما هو سنة.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا يشترط للوضوء مقارنة الاستنجاء خلافا للعامة، العامة يظنون أنهلا يمكن ان يتوضأ إلا باستنجاء حتى ولو كان مستنجيا قبلها ولو بساعة لابد أن يعيد الاستنجاء وهذا غلط. الاستنجاء الغرض منه تطهير المحل فقط، ولا علاقة له بالوضوء إطلاقا.

هل هذا الحديث يدل على أنه يجوز الوضوء بدون تقدم من استنجاء صحيح؟ قد يقال ذلك؛ لأن الآية الكريمة والواصفين لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يتكلموا عن الاستنجاء؛ لأن الاستنجاء عمل مستقل، وهذه المسألة - أعني: هل يصح الوضوء قبل أن يتقدمه استنجاء أو استجمار شرعي- فيها خلاف بين العلماء؛ منهم من قال: لا يصح الوضوء قبل الاستنجاء فلو أن الإنسان لم يستجمر استجمارا شرعيا وإنما استجمر حتى يبس المحل وأنقى المحل بدون أن

<<  <  ج: ص:  >  >>