للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الحديث يعارض الأحاديث الدالة على مسح الأذنين، فإذا قلت: ليس ذكرا للعدم، قلنا: الساكت ليس بمتكلم فضلا عن أن يكون سكوته معارضا للصريح.

يقول: "ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات" الكعبان هما: العظمان الناتئان في أسفل الساق، وهما يربطان بين الساق وبين القدم، ويقال في قوله: "إلى الكعبين" ما قيل في قوله: إلى المرفقين".

"ثم اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا". متفق عليه.

"رأيت": أي بعيني؛ أي: أبصرت، "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا قلنا: إن "رأيت" بمعنى أبصرت لا بمعنى علمت، وعلى هذا فقوله: "توضأ"، الجملة حال من النبي وليست مفعولا ثانيا؛ لأن رأي البصرية إلا مفعولا واحدا، وليت المؤلف جاء بباقي الحديث؛ لأن باقي الحديث من الناحية المسلكية مهم جدا جدا.

باقي الحديث يا إخوان، "ثم قال: من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه"، وهذه مهمة للإنسان من أجل أن يتعبد لله بهذه الصلاة، لكن المؤلف رحمه الله على الاختصار لا يذكر إلا الشاهد أحيانا؛ يذكر الشاهد ولا يستفيد الإنسان منه شيئا، كما سيأتينا - إن شاء الله- في كتاب الصلاة، لكن هنا أقول: غفر الله له، لو أنه ذكر هذا لأفاد فائدة كبيرة وهي: أن الإنسان كلما توضأ صلى ركعتين يجتهد ألا يوسوس فيهما ولا يحدث نفسه، إذا فعل ذلك غفر الله له ما تقدم من ذنبه.

في هذا الحديث فوائد منها: تواضع الصحابة الجم، وجهه: أن هذا خليفة على الجزيرة العربية، على المسلمين عامة؛ الشام، ومصر، والعراق، واليمن، والجزيرة، أمة عظيمة هو خليفة عليهم، ومع ذلك يدعو بالوضوء ليتوضأ أمام الناس حتى يدركوا ذلك بأعينهم، وهذا لا شك أنه تواضع جم.

ومن فوائده: أنه ينبغي للمعلم أن يسلك الوسائل التي تقرب المعنى إلى المتعلم، وجه ذلك: أنه أراهم إياها عمليا؛ لأن التطبيق العملي فيه مع العلم الذي محله القلب أنه يتصور الإنسان، ويبقى في مخيلته هذا الشيء المشاهد ولا ينساه.

ومن فوائده: ذلك أنه أدق في فهم المعنى، أرأيت لو قلت لك: إن القيل حيوان ضخم له خرطوم، وله آذان طويلة، وله أرجل غليظة قصيرة بالنسبة لحجمه، وله خرطوم قوي، ووصفته أدق وصف، هل تدركه مثل ما تدركه لو رايته؟ لا.

<<  <  ج: ص:  >  >>