للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات" المرفق: ما يرتفق عليه الإنسان، وهو مفصل الربط بين العظم والذراع، وتسميته مرفقا واضحة؛ لأنه يرتفق عليه الإنسان، يعني: يتكئ عليه.

وقوله: "إلى المرفق" هو كقوله تعالى: {إلى المرافق}، فهل (إلى) هنا للغاية أو لها معنى آخر؟

إن قلت: للغاية؛ فإن القاعدة الغالبة في (إلى) أن غايتها لا تثبت، وعلى هذا فتكون المرافق غير داخلة، وإن قلت: إنها بمعنى مع، أي: مع المرافق فالمرافق داخلة، ولكن إثبات أنها تأتي بمعنى (مع) يحتاج إلى دليل في اللغة العربية.

قالوا: الدليل قوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم} [النساء: ٢]. أي: مع أموالكم، ولكن هذا فيه نظر، في الآية ضمن الفعل تأكل معنى تضموا أموالهم إلى أموالكم فلا شاهد فيه، ولكن يقال: (إلى) للغاية، والغالب أن الغاية لا تدخل في المغيا، لكن إاذ وجد دليل يدل على أن الغاية داخلة وجب الأخذ به، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدير الماء على مرفقه، وأنه يغسله حتى يشرع في العظم، وعلى هذا يكون معنى (إلى): الغاية، لكن دلت السنة على أن الغاية هنا داخلة، والنبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بكتاب الله ومراد الله، هنا لم يذكر الابتداء، قال: "إلى المرفق" ولم يذكر الابتداء، وسيأتي - إن شاء الله- في الفوائد: هل الأفضل أن تبدأ بأطراف الأصابع ماشيا بالماء إلى المرفق أو لك أن تبدأ بما شئت؛ لأن المحدود هنا الغاية دون البداية، يأتينا إن شاء الله.

"ثم اليسرى مثل ذلك" يعني: ثلاث مرات، "ثم مسح برأسه" ولم يذكر التكرار، ولم يذكر الأذنين قال: "مسح برأسه"، والباء هنا ليست للتبعيض كما زعمه بعضهم، ولا تأتي في اللغة العربية بمعنى التبعيض أبدا.

قال ابن برهان: من زعم أن الباء تأتي في اللغة العربية "للتبعيض" فقد قال على أهل العربية قولا - أظنه قال-: بما لا يعلمون أو كلمة نحوها، لكن الباء للإلصاق بمعنى: إنك تمر يدك على رأسك.

{وامسحوا برءوسكم} [المائدة: ٦]. والرأس حده من جهة الوجه: منحنى الجبهة، وحده من الخلف: الرقبة، وحده من الجانبين: منابت الشعر، وهي في الغالب - غالب الناس- متساوية ولم يذكر الأذنين فيقال: إن عدم الذكر ليس ذكرا للعدم، فإذا جاءنا من طريق آخر أن الأذنين تمسحان فإنه لا معارضة بينه وبين هذا الحديث؛ لأن الساكت لا قال إنه ناف، وهذا هو معنى قول العلماء: "إن عدم الذكر ليس ذكرا للعدم"؛ لأنك لو قلت: إن عدم الذكر ذكر للعدم لكان

<<  <  ج: ص:  >  >>