للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من يرى أن الزكاة واجبة في الحلي؟ فما وجه استدلال من قال: إنه يدل على عدم وجوب الزكاة في الحلي؟ من قولها: "وكان عندي حلي فأردت أن أتصدَّق به" يعني: صدقة التطوع، فهل في هذا دليل؟ أبدًا، ليس فيه دليل؛ لأنه لو كان عندك دراهم وأردت أن تتصدق بها هل يدل ذلك على عدم وجوب الزكاة في الدراهم؟ لا يدل على ذلك أبدًا، إذ ليس فيه دليل على أن الزكاة ليست واجبة؛ لأنها قد تتصدِّق تطوعًا بشيء تجب فيه الزكاة، والذين قالوا: إن فيه دليلًا على أن الزكاة واجبة في الحلي، قالوا: إن قولها: "إنك أمرت بالصدقة" أي: بإخراج الصدقة، وهي الزكاة، وأن قولها: "أردت أن أتصدَّق بها" هذا دليل على أن حليها تجب فيه الزكاة، ولكن مع ذلك ليس بصريح، فالذي يظهر لي أن هذا الحديث ليس فيه دليل لا لهؤلاء ولا لهؤلاء إنما فيه دليل على أن امرأة ابن مسعود أرادت أن تتصدَّق به.

ومن فوائد الحديث: خرص الصحابة على امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم حتى فيما تتعلق به حوائجهم، كيف ذلك؟ أرادت أن تتصدق بحليها مع أن الحلي عند النساء من أغلى ما يكون؛ لأنه مما يجلب ميل زوجها إليها وهي محتاجة إلى التجمل به أمام النساء، ومع ذلك- رضي الله عنها- أرادت أن تتصق به.

وهل يؤخذ منه جواز استعمال النساء للحلي؟ نعم؛ لأن قولها: "كان عندي حلي لي"، فهذا دليل على أنها تملك، ولكن هل هذا الحلي من ذهب أو من فضة؟ هذا الحديث لم يتبين فه شيء، ولكن المعروف أن الذهب حلال للنساء مطلقًا سواء كان مرصَّعًا أو محلَّقا من الأسورة والخواتم وغيرها، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الذهب المحلق كالذهب والخواتم حرام النساء واستدلوا بأحاديث، من العلماء من قال: إنها منسوخة، ومنهم من قال: إنها مخصوصة بحالٍ دون حال، فإذا كان الناس في إعواز وفي حاجة فلا ينبغي للمرأة أن تهتم بالحلي، وإذا كان الناس في سعة فلا بأس، ومنهم من قال: إنها أحاديث ضعيفة لشذوذها وأنها شاذة؛ لأنها تخالف الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي تدل على جواز التَّختُّم بالذهب والأسورة من الذهب، وهذا القول هو أقربها عندي، وكنت أظن أن الشذوذ إنما يكون في الحديث الواحد يختلف فيه الرواة، ويكون بعضهم أرجح من بعض، فنقول: إن المرجوح شاذ، ولكن تبيَّن لي من صنيع أهل الحديث أن الشاذ ما خالف الأحاديث الصحيحة ولو كان غير وارد على ما ورد عليه المحفوظ يعني: لو كان هناك حديثان كل واحد منهما مستقل، ومن أمثلة ذلك أن الإمام أحمد رحمة الله قال في حديث أبي هريرة في النهي عن الصيام بعد نصف شعبان: إنه شاذ، ثم استدل لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين" فإن هذا الحديث الأخير متفق عليه، والأول رواه أهل السُّنن، فاستدلوا- رجمهم الله- على شذوذه بمخالفته

<<  <  ج: ص:  >  >>