قوله تعالى:{* إنما الصدقات للفقراء والمساكين}[التوبة: ٦٠]. فإننا نسأل هل الولد فقير أو لا؟ إذا قالوا: فقير. قلنا: ادفع الزكاة إليه؛ لأنه استحق، فالزكاة بالوصف الذي علق به الاستحقاق فهو فقير، وأنا الآن لا يجب عليَّ الإنفاق عليه إن كانت المسألة نفقة، ولا يجب عليَّ قضاء دينه إن كانت المسألة قضاء دينه، أيضًا الزوج؛ لأن الزوج أوضح من الأولاد؛ لأن الزوج لا يمكن أن تجب نفقته على الزوجة إلا على رأي الظاهرية. فابن حزم- وهو من الظاهرية- كان يقول: إذا كانت الزوجة غنية والزوج فقيرًا وجب على الزوجة أن تنفق على زوجها؛ لعموم قوله تعالى:{وعلى الوارث مثل ذلك}[البقرة: ٢٣٣]. قال: هي ترثه فيجب عليها الإنفاق، وسيأتي لنا- في باب النفقات- أن هذا قول ضعيف، وأن الآية ليس فيها دلالة لما ذهب إليه.
إذن نقول: دفع زكاة المرأة إلى زوجها جائز بدليل هذا الحديث، دفع زكاة الإنسان إلى أولاده جائز بشرط ألا يقي بالدفع شيئًا واجبًا عليه، فإن وقى بها شيئًا واجبًا عليه لم يحل؛ لأن هذا حيلة.
ومن فوائد الحديث أيضًا: وجوب تصديق المفتي إذا كانت فتواه موافقة للحق، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"صدق ابن مسعود"، خلافًا لما يفعله بعض الناس ينقل إليه فتوى من شخص وهو يعرف أنها صحيحة لكن تجده أحيانًا يقول: هذا خلاف المذهب مع أنه يعتقد أن الفتوى صحيحة، فهذا حرام، بل الواجب عليك أن تصدق أيَّ إنسان يفتي بالحق وإن كان من غير أهل العلم، إذا كانت فتواه حقًّا فإنه يجب عليك أن تصدقه، وأن تقول: هذه صحيحة وليس فيها شيء.
ومن فوائد الحديث: بيان أن للناس مراتب في الاستحقاق، تؤخذ من اسم التفضيل؛ لأن "أحق" يدل على أن هناك شيئًا مفضَّلًا ومفضَّلًا عليه.
ومن فوائد الحديث أيضًا: أن عبد الله بن مسعود يعتبر من فقراء الصحابة، ومع ذلك فهو من أفضل الصحابة، ومن أصحاب الفتيا فعليه نقول إن الفقر ليس بعيب، بل قد يكون الفقر خيرًا للإنسان، كما يذكر في الحديث القدسي:"إن من عبادي من لو أغنيته لأفسده الغنى". فالفقر قد يكون خيرًا للإنسان، وقد سبق ذكر خلاف العلماء في الفقير الصابر، والغني الشاكر، أيهما أفضل؟ على قولين لأهل العلم، والصحيح: أن كل واحد منهما أفضل من الآخر من وجه.
ساق المؤلف هذا الحديث في باب صدقة التطوع كأنه يميل إلى أن المراد به: صدقة التطوع، والصواب أنه عام، أستدل بهذا الحديث من لا يرى أن الزكاة واجبة في الحلي، واستدل به