لا، لكن يقال: ابن الشيء للملازم له كأنه ابن له؛ لأن الابن يلازم أباه غالبًا، فيقال: ابن السبيل، أي: الملازم للسفر الذي لا زال في سفره.
قالوا: كما يقال: ابن الماء للطير المعروف يسمَّى هكذا؛ لأنه دائمًا لا يقع إلا على الماء، ونحن نعرف- ونحن صغار- طائرًا يسمّى دجاجة الماء، عبارة عن طير صغير يأتي في الخريف، وقبل أن تكثر البنادق كان يوجد في البيت وتصيده.
على كل حال: ابن السبيل هو المسافر الذي انقطع به السفر فلم يجد ما يوصله إلى بلده ولو كان غنيًّا في بلده يعطى من الزكاة؛ لأن نفقته سرقت وانقطع، نعطيه ما يوصله إلى البلد ولو كان غنيًا في بلده، هل نشتري له شيئًا يعينه على سفره؟ نعم؛ لأن الله يقول:{وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله}[التوبة: ٦٠]. فجعلها معطوفة على "في" الدالة على الظرفية، وعلي هذا فلا يشترط تمليك ابن السبيل، بل يجوز أن نشتري له راحلة يسافر عليها أو نشتري له متاعًا أو نعطيه هو بنفسه يشتري ولا حرج.
تأملوا معى هذه الآية نجد أن أهل الزكاة ينقسمون من وجه إلى من يأخذها لحاجته، وإلى من يأخذها للحاجة إليه، دعونا نعد الذين يأخذونها لحاجتهم: الفقراء، المساكين، المؤلفة قلوبهم في بعض الأحيان، الغارمين في بعض الأحيان، وابن السبيل، والرقاب، وأما العاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم ممن نخشى شره، والغارم لإصلاح ذات البين، وفي سبيل الله فهؤلاء يأخذون للحاجة إليهم.
ثم تأملوها مرة ثانية تجدون أن من هؤلاء الأصناف من يملكها ملكًا مستقرًا، ومنهم من يملكها ملكًا مقيدًا، فالذين في مدخول اللام يملكونها ملكًا مستقرًا من هم؟ أربعة: الفقراء، والمساكين، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، فهذا الفقير قدرنا أن نفقته لمدة سنة عشرة آلاف ريال فأعطيناه عشرة آلاف ريال، وفي أثناء السَّنة أغناه الله مات له قريب فورثه وبقي معه من الزكاة خمسة آلاف ريال هل يردها؟ لا يردها؛ لأنه ملكها ملكًا مستقرًّا، هذا غارم.
قال: إن عليه عشرة آلاف ريال فأعطيناه إياها فذهب إلى الذي يطلبه ورجع إلى الدفاتر وإذا المطلوب ثمانية آلاف ريال فقط، فبقي معه ألفان هل هي له أو يردها على أهل الزكاة؟ يردها على من أخذها منهم؛ لأن هذا لا يملكه إنما هي جهة تصرف إليه، وفي الرقاب، والغارمين فإذن يردها، لأنه لم يملكها ملكًا مستقرًّا، هذا الذي أعطيناه لغرمه هل يملك أن ينفق هذه الدراهم في حاجته الخاصة غير الغرم؟ لا، والذي أعطيناه لفقره هل يملك أن يصرفها في غرامه؟ نعم، الفرق أن الفقير ملكها ملكًا مستقرًّا يتصرف فيها كيف يشاء، وهذا إنما أخذها لجهة فلا يصرفها في غيرها، ولهذا لو وكَّلت إنسانًا وقلت: اقض عن فلان دينه من زكاتي