ومنها: جواز سؤال الإنسان لغيره؛ لأنه إذا سأل لأمر يعود نفعه إليه من أجل غيره فسؤاله لأمر يعود نفعه إلى الغير من باب أولى، فيجوز للإنسان أن يسأل الغير إذا علم أن هذا الغير مستحق، ولكن مع هذا لا ينبغي إلا إذا كان سؤاله هو أقرب إلى قضاء حاجة الغير مما لو سأل الغير حينئذٍ يكون سؤاله كالشفاعة، أما إذا كان هذا الذي قال: اسأل لي فلانًا يستطيع أن يسأل هو بنفسه، ويمكن أن تقضى حاجته فلا ينبغي حينئذٍ أن تسأل له لسببين:
الأول: أن هذا قد يحرج صاحبه- أعني: المسئول-؛ لأن بعض الناس قد يهون عليه أن يعتذر من فلان، ولا يهون عليه أن يعتذر من فلان.
الثاني: أن فيه شيئًا من الغضاضة عليه حتى وإن كنت تسأل لغيرك، لكن فيه شيء من الغضاضة لا سيما إذا كثرت أسئلتك الناس للناس فإن هذا يوجب الغضاضة عليك، لكن هذه المسألة إذا تحملتها فلا يهم، لكن الكلام على أن نقول: إذا كان سؤالك للغير أقرب إلى إجابته بحيث لو سأل هو لم يجب فمعونته هنا لا شك أنها مصلحة وفيها خير.
ومن فوائد الحديث: أن الإسلام حريص على كرامة بنيه وعدم ذلهم ولهذا حزم عليهم المسألة لما فيها من الذل.
ومنها أيضًا: أن من أصيب بجائحة اجتاحت ماله جاز له أن يسأل بقدر الحاجة فقط لقوله: "حتى يصيب قوامًا من عيش"، ثم بعد ذلك لا يسأل.
ومن فوائد الحديث: أن من كان غنيًا ثم افتقر فإنها لا تحل له المسألة ولا الزكاة أيضًا حتى يشهد له ثلاثة من قومه من ذوي العقل، لأنه أصابته فاقة، وذلك لأن الأصل بقاء الغنى وعدم الاستحقاق فلا يقبل إلا ببينة، بخلاف الرجل الذي لم يكن معروفًا بالغنى إذا جاء يسأل يقول إنه من أهل الزكاة فإننا نعطيه إذا غلب على الظن صدقه.
ومن فوائد الحديث أيضًا: أن ما عدا هؤلاء الثلاث إذا أخذ الإنسان المال بالسؤال فإنه سحت، لقوله:"وما سواهن من المسألة".
ومنها أيضًا: استعمال التنبيه للمخاطب عند الجملة المهمة، لقوله:"فما سواهن من المسألة يا قبيصة"، فإذا كان حديثه مستفيضًا وطويلًا وأنت في فقرة من الحديث ينبغي له أن ينبهِّ عليها فإنه يحسن التنبيه.
ومن فوائد الحديث: أن المال الحرام ليس فيه بركة، وأنه شؤم على بقية المال: لقوله: "سحت يأكله صاحبه سحتًا".
ومن فوائده أيضًا: أنه حتى لو أن الإنسان استمتع بالمال الحرام فإنه سحت حتى لو أكله وانتفع به فإنه سحت؛ لأنه يسحت البركة من وجه آخر وهو أن المتغذي بالحرام لا يستجاب