{إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين أمنوا}[العصر: ٢، ٣]. الإنسان عام مخصوص، فقال:{إلا الذين أمنوا}. والاستثناء هذا يخرج بعض أفراد العموم، "فيما سقت السماء العشر" هذا عام. "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" هذا مخصص، فالعام المخصوص: هو الذي أريد عمومه أولًا ثم أخرج منه بعض الأفراد، وعلى هذا فيكون حجة فيما عدا التخصيص، فإذا استدل أحد بعمومه على أي فرد من أفراده فاحتجاجه صحيح إلا في الفرد الذي خصص.
ثانيًا: أن العام المخصوص يصح الاستثناء منه بخلاف العام الذي أريد به الخاص فإنه لا يصح الاستثناء منه، العام الخاص في الوجه الأول لا يراد به العموم أصلًا بل يراد به شيء معين، وعلى هذا فأي أحد يدخل فيه شيء من العموم فإنه ممنوع، لماذا؟ لأنه أريد به الخاص فلا يمكن أن تدخل فيه شيئًا من العموم.
ثالثًا: أن الذي أريد به الخاص إذا دل على فرد لا يمكن الاستثناء منه، مثاله:{الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم}[آل عمران: ١٧٣]. قالوا: إن المراد بالناس: أبو سفيان {إن الناس قد جمعوا لكم}، والمراد بالناس الذين قال لهم الناس: الرجل الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأن قريشًا جمعوا لهم، فهو إذن عام أريد به الخاص، فالأول: نعيم بن مسعود، والثاني: أبو سفيان، هكذا قيل، وعلى كل حال: هذا الفرق بين العام المخصوص، والعام الذي أريد به الخصوص.
في هذا الحديث من الفوائد: تحريم الصدقة على آل النبي صلى الله عليه وسلم وهل يدخل فيهم الرسول؟ نعم، يدخل فيهم، فإذا قيل: آل فلان، دخل هو- المنسوب إليه- فيهم بالأولوية، على أنه قد صرح في الرواية الثانية:"إنها لا تحل لمحمد، ولا لآل محمد"، فيكون المؤلف أتى بالرواية الثانية؛ لأن فيها التصريح بدخول النبي صلى الله عليه وسلم.
وهل هذا يشمل الزكاة وصدقة التطوع؟ أقول: في هذا خلاف بين أهل العلم، فجمهور العلماء على أن المراد به: الزكاة الواجبة، واستندوا في ذلك إلى التعليل في قوله:"إنما هي أوساخ الناس"، ولكن هذا في غير النبي صلى الله عليه وسلم أما النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يأكل الصدقة لا تطوعها ولا: فرضها، وهذا من خصائصه عليه السلام.
واختلف العلماء هل هذا الحكم عام أو مقيد بما إذا أعطوا الخمس؛ لأن المعروف أن الخمس لذوي القربى- البني هاشم وبني المطلب أيضًا- كما سيأتي في الحديث الذي بعده ولكن هل نقول كما قال هؤلاء، وأنهم إذا لم يعطوا الخمس أعطوا من الزكاة؟ في هذا أيضًا قولان لأهل العلم، منهم من قال: إنهم إذا لم يعطوا من الخمس، إما لكونه لا خمس، وإما لظلم من ولي الأمر لا يعطيهم، فإنهم يأخذون من الزكاة لئلا يموتوا جوعًا، أو يتكففوا الناس يعني: يسألونهم-، فإن تكففهم الناس أعظم ذلاٍّ مما إذا أعطوا من الزكاة بلا سؤال، وهذا اختيار