ففي هذا الحديث من الفوائد أولًا: جواز استعمال الرجل على الصدقة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث هذا الرجل، ولكن يشترط في الرجل الذي يستعمل على الصدقة شرطان: القوة، والأمانة. القوة بماذا؟ بأحكام الزكاة أخذًا وإعطاء، فيعرف الأموال الزكوية، ويعرف مقدار الأنصبة، ويعرف مقدار الواجب، ويعرف المستحق إذا كان قد وكل إليه الصرف، ويشترط أيضًا أن يكون أمينًا، وهذان الشرطان- القوة والأمانة- يشترطان في كل عمل، وقد ذكر هذا في موضعين من كتاب الله فقالت إحدى البنتين لأبيها صاحب مدين:{استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين}[القصص: ٢٦]. {قال عفريت من الجن أنا أتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين}[النمل: ٤٠]. فكل عمل لا بد فيه من القوة عليه ومن الأمانة، قويًّا يعني: أنه يعلم الزكاة أنصبتها مقدار الواجب ومستحقها حتى يصرفها إذا وكل إليه الصرف، وأمينًا بحيث لا يخون، فإن كان خائنًا أو يخاف من الخيانة فإنه لا يجوز أن يولَّى.
ومن فوائد الحديث: جواز إخبار الإنسان بما ينتفع به انتفاعًا دنيويًّا، أو بعبارة أخرى جواز طلب المشاركة من شخص لينتفع بما يشارك فيه انتفاعًا دنيويًا، الدليل:"اصحبني فإنك تصيب منها".
ومن فوائد الحديث: ورع الصحابة- رضي الله عنهم-، فإن أبا رافع رضي الله عنه مع كون هذا الرجل شجعه على الذهاب معه امتنع قال:"حتى آتي النبي صلى الله عليه وسلم"، وهذا يدل على كمال الورع في الصحابة- رضي الله عنهم-، وهناك شيء يسمَّى ورعًا وشيء يسمى زهدًا وبينهما فرق: قال ابن تيمية: الورع ترك ما يضره في الآخرة، والزهد ترك ما لا ينفعه في الآخرة. يتبين الفرق في مباشرة شيء لا نفع فيه ولا ضرر، فمباشرته لا تنافي الورع ولكنها تنافي الزهد؛ لأن الزاهد هو الذي يفعل ما فيه المنفعة والمصلحة، وأما ما لا منفعة فيه في الآخرة فيتركه.
ومن فوائد الحديث: أن مولى بني هاشم لا تحل له الصدقة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مولى القوم من أنفسهم، ، وهل يستدل بعمومه على أن مولى القوم وارث؟ أما جمهور العلماء فيقولون: إن المولى من أسفل لا يرث، وإنما الوارث المولى من أعلى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الولاء لمن أعتق"، وأما المعتق فإن مولى سيده إذا لم يوجد له عاصب يذهب إلى بيت المال ولا يعطي العتيق، ولكن بعض العلماء قال: إن المولى من أسفل يرث إذا لم يوجد عاصب سواه ولا صاحب فرض وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وفيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة أنها ترث لقيطها وعتيقها وولدها الذي لاعنت عليه.