وفيه أيضًا: جواز إطلاق المولى على بني آدم، وأن تقول: هذا فلان مولاي، وما أشبه ذلك، وهو كذلك، وقد قال الله تعالى:{وإن تظهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين}[التحريم: ٤]. فالمولى تطلق على الله عز وجل، وتطلق على المخلوق لكن إطلاقها على المخلوق ليس كإطلاقها على الله؛ لأن الله- سبحانه وتعالى- له الولاية المطلقة، وأما الإنسان فولايته مقيدة.
ومن فوائد الحديث أيضًا: حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم وإقناعه؛ لأنه قال للرجل:"مولى القوم من أنفسهم"، وبيَّن له أنه لا تحل لهم الصدقة.
ومنها أيضًا: أنه يجوز الاقتصار على المقدمات إن لم تذكر النتيجة إذا فهمت من السياق؛ لأن ذكر النتيجة- وقد فهمت من السياق- لا يفيد إلا التطويل، كيف ذلك؟ قال:"إن مولى القوم من أنفسهم" هذه مقدمة أولى، و"إنها لا تحل لنا الصدقة" هذه مقدمة ثانية، والنتيجة:"فلا تحل لك الصدقة"، لا حاجة لذكرها إذا كانت معلومة من المقدمات؛ لأن ذكر النتيجة بعد العلم يعتبر تطويلًا لا فائدة منه؛ فلهذا نقول: إن ما يزعزع به المنطقيون من تلك المقدمات والنتائج الطويلة العريضة أكثرها لا حاجة إليه.
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: كنت أعلم دائمًا أن المنطق اليوناني لا ينتفع به البليد، ولا يحتاج إليه الذكي، إذن فهو تطويل بلا فائدة.
ومن فوائد الحديث: وجوب التصريح بالحق ولو على النفس؛ لقوله:"إنها لا تحل لنا الصدقة"، وهكذا يجب أن يذكر الإنسان ما له وما عليه قائمًا لله تعالى بذلك بالقسط:{* يأيها الَّذين ءامنوا كونوا قوَّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم}[النساء: ١٣٥]. وبعض الناس تجده مع الطمع ومع الجشع يحاول أن يأخذ ما لا يستحق بالطرق الملتوية، ولكن العاقل على خلاف ذلك، ما تقولون هل يوجد أحد من آل الرسول اليوم؟ الذي يقول ذلك سنلزمه بأن يذكر سندًا من الآن إلى المنتهى، أنا قرأت في "فتح الباري"، وكتب أخرى أنه لا يوجد أحد يعلم من آل البيت إلَّا ملوك اليمن فقط، والباقي كله فيه شك.
ومن فوائد الحديث: الجواب بـ"لا" كافٍ عن إعادة السؤال كالجواب بـ"نعم"، فإذا قيل: أعندك لزيد كذا؟ قال: لا، هذا إنكار كأنه قال: ليس عندي له شيء، وإذا قيل: ألك عنده شيء؟ فقال: نعم فهو كافٍ. الجواب: كأنه قال: نعم، ولهذا لو قيل للرجل: أزوجت ابنتك فلانًا؟ فقال: نعم، صح، ولو قبلت؟ قال: نعم، صح أيضًا، وهل الإشارة تقوم مقام اللفظ؟ نعم، إذا كان اللفظ ممتنعًا حسًّا أو شرعًا فإن الإشارة تقوم مقامه، والممتنع حسًّا كالأخرس، وهناك الممتنع شرعًا كالمصلي فإنه لا يتكلم شرعًا، فإن كان قادرًا على النطق فالصحيح أيضًا أن الإشارة تقوم مقام العبارة، وأنه يكتفي بذلك، وهكذا الكتابة.