للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للشيء: هو المتطلع إليه، ومنه تطلع إلى الشيء يعني: أشرف عليه من بعد، فمعنى "غير مشرف" أي: غير متطلع لهذا المال يعني: أن نفسك لا تتشوف له.

وقوله: "ولا سائل" أي: طالب. "فخذه" الفاء رابطة للجزاء، أين الشرط الذي هي رابطة له؟ في قوله: "ما جاءك" ففعل الشرط؛ أي: فعل جاءك، "ومن هذا المال" بيان لـ"ما"، والفاعل مستتر عائد على "ما" الشرطية، "ما" شرطية وجاء فعل الشرط وفاعلها يعود على "ما" الشرطية، "ومن هذا المال" بيان لـ"ما" الشرطية، و"خذه" جواب الشرط، وقوله "فخذه" يعني: لا ترده؛ لأنه رزق ساقه الله إليك.

"وما لا فلا" "ما" شرطية، و"لا" نافية، وفعل الشرط محذوف، يعني: وما لا يأتك إلا وأنت مشرف أو سائل فلا أو ما لا يأتك مطلقًا فلا تتبعه نفسك وهذا أولى، يعني: هذا إذا جعلنا "ما" شرطية، أما إذا جعلناها موصولة فمعناه: "والذي لا يأتك" صار المقدر: والذي لا يأتيك مقدر الفعل مرفوعًا.

على كل حال: "ما" يصلح أن تكون موصولة أو شرطية؛ فإن كانت موصولة فالمحذوف صلة الموصول، أو فالمحذوف جزء من الصلة؛ لأن "لا" داخلة في الصلة، وإن كانت شرطية فالمحذوف فعل الشرط.

وقوله: "فلا تتبعه نفسك" أي: فلا تجعل نفسك تابعة له، أي: متعلقة به؛ فالمال إذا أتاك لا ترده، إذا لم يأتك لا تتبعه نفسك، لا تجعل نفسك تتبعه وتتعلق به، ومعلوم أن الرسول إذا نهى عن اتباع النفس للمال فنهيه عن الاستشراف والسؤال من باب أولى؛ لأن المستشرف والسائل قد أتبع نفسه المال.

في هذا الحديث عدة فوائد؛ أولًا: زهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ حيث طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطي المال من هو أفقر منه.

ثانيًا: أن الناس يتفاضلون في الغنى والفقر، وتفاضلهم في الغنى والفقر له حكم عظيمة بالغة، ولولا هذا التفاضل ما قام للدنيا عمل ولا للآخرة أيضًا، قال الله تعالى: {أهم يقسمون رحمت ربِّك نحن قسمنا بينهم مَّعيشتهم في الحيوة الدُّنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجتٍ}. لماذا {ليتَّخذ بعضهم بعضًا سخريًا ورحمت ربك خيرٌ ممَّا يجمعون} [الزخرف: ٣٢]. لولا فقر العامل ما صار يعمل له، لو كان العامل مثلك وألزمته أو طلبت منه أن يبني لك جدارًا لقال لك: أنا مثلك، ابنه أنت، إذن نحن يسخر بعضنا بعضًا ويذلل بعضنا بعضًا؛ لأن الله تعالى: {ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجتٍ}، أيضًا من الحكم أننا نتدرج لهذا التفاضل إلى التفاضل في الآخرة: {انظر كيف فضَّلنا بعضهم على بعض وللأخرة أكبر درجتٍ وأكبر تفضيلًا} [الإسراء: ٢١]. الأن نقول: هذا الرجل غني عنده سيارات

<<  <  ج: ص:  >  >>