وقصور وبنون ونساء، ونحن ما عندنا شيء! نقول: هذا لا شك أنه تفضيل، ولكن الفضل في الآخرة أعظم وأعظم؛ ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة يتراءون أصحاب الغرف- يعني: المنازل العالية- كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق، وهذا تفضيل عظيم أهذا هو الأفضل أم الأفضل أن يكون للإنسان قصور وخدم وحشم؟ لا، سواء، ولهذا قال:{وللأخرة أكبر درجتٍ وأكبر تفضيلًا}. كما من إنسان مهين في هذه الدنيا لا يساوي نعلة لكنه في الآخرة من أصحاب الغرف، هذا هو الفخر في الحقيقة، أما أن يكون تفاضلًا في هذه الدنيا الزائلة التي أشرنا من قبل أن صفوها منغص بكدر ثم هو ليس بدائم حتى لو صفت للإنسان غاية الصفاء، فإنه كما قال الشاعر:[البسيط]
لا طيب للعيش ما دامت منغَّصةً ... لذَّاته بادِّكار الموت والهرم
على كل حال: الناس في هذه الدنيا يختلفون كما قال عمر بن الخطاب: "أعطه أفقر مني".
وفي الحديث: دليل على مشروعية أخذ المعطي من الزكاة إذا كان أهلًا؛ لقوله:"خذه" وهل هو على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب؟ قال بعض أهل العلم: إنه على سبيل الوجوب، وأن الإنسان إذا أهدي إليه، أو تصدق عليه بشيء وهو أهل له، ولم تستشرف نفسه، ولم يسأل فإنه يجب عليه أن يقبل، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد، والأصل في الأمر الوجوب، لاسيما والرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن في الناس من هو أحرج من عمر رضي الله عنه؛ فكونه يصرفها لهذا الرجل ويأمره بأخذها يدل على الوجوب.
وقال بعضهم: بل هو على الاستحباب؛ لأن الأمر هنا في مقابل الامتناع لما امتنع كأنه يقول خذه فهو مباح لك، وهذا هو الأقرب، وعلى كلا القولين إذا خفت مضرة عليك في قبول هذه الهدية فلا يلزك القبول؛ لأن بعض الناس إذا أهدى هدية صار يمنُّ بها، كلما حصلت مناسبة قال: أعطيتك كذا وكذا، ثم صار يوبخ هذا الرجل ويمن عليه، فإذا كنت تخشى من هذا فلا شك أنه لا يجب عليك القبول في هذه الحال حتى على القول بوجوب القبول؛ لأن في ذلك ضررًا عليك.
وفي هذا الحديث: دليل على كراهة التطلع لما في أيدي الناس أو سؤالهم؛ لقوله:"وأنت غير مشرف ولا سائل"، وهكذا ينبغي للإنسان أن يكون زاهدًا فيما في أيدي الناس لا يتطلع له، قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل قال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، هذا الرجل كيَّس يطلب عملًا يحبه الله ويحبه الناس، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ازهد في الدنيا يحبك الله،