وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس"، لا تتشرف لما في أيدي الناس ولا تسألهم، الناس يحبونك؛ لأنك لم تضايقهم في دنياهم، "ازهد في الدنيا"؛ لأن من زهد في الدنيا رغب في ضرتها وهي الآخرة فيحبه الله عز وجل.
وفي هذا الحديث: دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يتبع نفسه المال، إن فاته فلا يهمه وإن حصل له بطريق مشروع فهذا رزق الله لا يحرمه نفسه لكن لا يتبع نفسه المال؛ لأنه إذا أتبعته نفسه المال فإنه لا يمكن أن يشبع أبدًا، لكن إذا زهد فيه جعله- كما قال ابن تيمية- بمنزلة الحمار يركبه أو بيت الخلاء يقضي حاجته فيه، الناس الآن يجعلون الأموال تيجانًا يلبسونها؛ هذا في الحقيقة خطأ، ونحن لا نقول: إن المال لا ينفع المال الصالح عند الرجل الصالح من أفضل الأعمال حتى جعله الرسول صلى الله عليه وسلم قرينًا للعلم قال: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله الحكمة فهو يعلمها الناس ويعمل بها، والثاني: آتاه الله المال فسلطه على هلكته في الحق". لا ننكر أن المال نافع، ولكنا نقول: لا تتبعه نفسك؛ لأنك إن أتبعته نفسك ما شبعت منه أبدًا، اجعله مركوبًا تركبه تقض به حاجتك، وهو في الحقيقة وسيلة؛ لأن أعلى ما تنتفع به في مالك ما تأكله هذا أعلى ما يكون، وأين تضع ما تأكله وتشربه؟ في الأماكن القذرة، أعتقد أن الإنسان إذا أتاه البول والغائط يقول: اذهب إلى غرفة النوم أو إلى أين يذهب؟ دلوني على المرحاض ... رائحة منتنة وكريهة، ومكان غير مرغوب ليضع المال الذي أكله، هذا أعلى ما يصل إليه في الانتفاع به، لذلك لا ينبغي أن يكون شغل الإنسان الشاغل، لا تأخذوا عني أني أقول: اتركوا الدنيا، لكن اتركوا أن تتعلق بها قلوبكم، اجعلوا الدنيا في أيديكم لا في قلوبكم، بعض الناس يضع الدنيا في قلبه ويده خالية منها، وبعض الناس يجعلها في قلبه ويده ملأى منها، وبعض الناس يجعلها في يده وقلبه خالٍ منها، أسال الله أن يجعلني وإيَّاكم منهم، هؤلاء هم الذين وفِّقوا عرفوا قدر المال، إذن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "وما لا فلا تتبعه نفسك"، وهذه كلمة في الحقيقة لو أننا اعتبرنا بها لزهدنا في المال زهدًا تامًا، ولم نأخذ منه إلا ما ينفعنا في الآخرة.
- هل في هذا الحديث دليل على أن ما يأخذه عامل الزكاة يرجع إلى نظر الإمام، يعني: أن ما يأخذه العامل ليس مقدرًا شرعًا، بمعنى: أننا لا نقول لك من الزكاة العشر نصف العشر كذا وكذا؟ هذا هو الظاهر؛ لأن الحديث ليس فيه أنه أعطاه شيئًا يعتبر نسبة إلى الزكاة، ولكن سبق لنا أن عامل الزكاة يعطى بمقدار عمله؛ يعني: بمقدار أجرته.
- هل في الحديث ما يدل على أن عمر رضي الله عنه من الفقراء؟ نعم، الدليل قوله: "أفقر مني"،