ويستفاد من قوله:"إذا رأيتموه": أنه إذا رؤي في بلد واحد لزم الناس كلهم الصوم؛ لأننا ما دمنا نقول: إنه لا يشترط أن يراه كل واحد فإنه يستفاد منه، وهذه متفرعة على ما ذكرنا قبل من أنه إذا رآه وأحد أو إذا ثبتت رؤيته في مكان لزم الصوم جميع الناس، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وهو قول كثير من أهل العلم، ولكن عارضهم شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة، وقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيتموه"، والجماعة البعيدون عن مطلع الهلال في هذا المكان لم يروه لا حقيقة ولا حكمًا، وقول الرسول:"إذا رأيتموه" كقوله: "إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم"، فهل أنتم تقولون: إذا غربت- الشمس عند قوم جاز للآخرين أن يفطروا ولو كانت الشمس لم تغب؟
الجواب: لا، ولم يقل بذلك أحد، إذن إذا رأيناه في مكان ولم ير في مكان آخر- بعد التحري والبحث- فإنه لا يلزم من لم يره؛ لأن هذا- "إذا أقبل الليل من هاهنا"- توقيت يومي، و"إذا رأيتموه" توقيت شهري، ولا فرق بينهما، فالشهر عند من لم يروه لم يدخل، والله عز وجل يقول:"فمن شهد منكم الشهر فليصمه}. [البقرة: ١٨٥]. وهؤلاء الذين يخالفون من رأوه في المطالع ما شهدوه، وعلى هذا فلا يلزمهم الصوم، ودلالة هذا الحديث على قولهم، ودلالة الآية أيضًا واضحة، واستدلوا أيضًا بحديث رواه مسلم عن كريب أن أم الفضل أرسلته في حاجة إلى معاوية، ومعاوية في الشام، فرأوا الهلال في الشام فصاموا، وكان ممن رآه كريب رآه ليلة الجمعة، ثم إن كريبًا قضى حاجته من الشام ورجع إلى المدينة والتقى بابن عباس رضي الله عنه، فسأله ابن عباس متى صام معاوية؟ قال: صام يوم الجمعة، قال: هل رأى الهلال؟ قال: نعم، وأنا رأيته أيضًا، فقال: إنا لم نصم إلا يوم السبت، فقال له: أتكتفي برؤية معاوية؟ قال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا نص صريح من ابن عباس رضي الله عنهما تفقها واستنباطًا من قوله: "إذا رأيتموه"، وهذا دليل واضح في الموضوع، والقياس على التوقيت اليومي أيضًا دليل واضح، والخطاب في {فمن شهد منكم الشَّهر}، و"إذا رأيتموه"، واضح، ولهذا كان الصواب ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أنه إن اتفقت المطالع لزم الصوم أو الفطر وإلا فلا.
* وهذا أحد الأقوال في المسألة، وفيها خمسة أقوال على النحو التالي:
القول الأول: إذا ثبتت رؤيته في مكان ثبت ذلك في حق جميع الناس في أي مكان كانوا.