للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كل واحد يقول للثاني: انظر الهلال وما أشبه ذلك، فيدل هذا على أن ترائي الهلال في الليلة التي يتحرى فيها من عمل الصحابة الذي أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم عليه، فيكون من السُّنة التقريرية.

ويستفاد من هذا الحديث: أنه لا يعمل إلا برؤية من يوثق بنظره، بل من يوثق بقوله لكونه أمينا بصيرًا، فلو جاء الأعمى إلى القاضي وقال: إني رأيت الهلال وهو ثقة مأمون عند الناس ماذا نقول؟ نقول: هذا لا يمكن وهذا مما يخل بأمانته، وما القول فيما إذا جاءنا رجل ليس بأعمى لكن ضعيف البصر وقال: إنى رأيت الهلال يقينًا وقال: اتجاهه إلى الجنوب الشرقي- اتجاه القوس- المنزلة صحيحة لكنه ضعيف البصر هل نأخذ بقوله؟ لا، وإن كان ثقة؛ لأنه ضعيف البصر، ولهذا ذكر العلماء أن رجلًا كبير السن كان مع الناس الذين يتراءون الهلال وأبصارهم قوية هم قالوا: لم نره، وهو أصر على أنه رآه وجاءوا عند القاضي والقاضي ردده قال: لا، أنا أشهد أني رأيته فقال: أذهب معك تريني إياه، قال: نعم، ذهب وقال: أنظر إليه. القاضي نظر وما رأى شيئًا وكان القاضي ذكيًّا فمسح على حاجبه- حاجب عينه- ثم قال: انظر، قال: الآن ما أرى شيئا، لماذا؟ شعرة بيضاء يحسب أنها الهلال وهى متقوسة كالهلال فشهد أنه رأى الهلال! لكن متى يأتينا قاضٍ مثل هذا القاضي الذكي، لكن على كل حال أقول: لا بد أن يكون الرائي ممن يوثق بقوله لأمانته في النقل ولكون بصره حديدًا يمكن أن يرى الهلال.

ويستفاد من هذا الحديث أيضًا: أنه لا تشترط الشهادة في الإعلام بدخول الشهر؛ لقوله: وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام"، وأمر الناس بالصيام، فلو قال للقاضي: لقد رأيت الهلال ولم يقل: أشهد، وجب الحكم بخبره، وهل هذا خاص برؤية هلال رمضان أو عام في كل الشهادات؟ يعني: هل يشترط في الشهادة سواء في المال أو في غير المال أن يقول الشاهد: أشهد أو لا يشترط، بل يكفي أن يقول: إني أقول كذا أو أخبر بكذا؟ الصحيح: أنه لا تشترط الشهادة إلا ما دل الدليل على اشتراطها لقوله: {فشهادة أحدهم أربع شهادات} [النور: ٦]. وإلا فإن الخبر يكفي عن الشهادة ولهذا قيل للإمام أحمد رحمه الله: إن فلانا يقول: "العشرة في الجنة ولا أشهد فقال الإمام أحمد: إذا قال: إنهم في الجنة فقد شهد، وهذا هو الحق، أي: أن الشهادة لا يعتبر فيها لفظ (أشهد)، بل إذا أخبر خبرًا جازمًا به فإنه يعتبر شاهدًا ويدل عليه هذا الحديث.

أما الحديث الثاني: ففيه دليل على أنه يشترط في الشاهد أن يكون مسلمًا، لقوله: "أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فقال: فأذن في الناس يا بلال أن يصوموا غدًا"، وهذا واضح على أن الحكم بني على ما سبق من كون الرجل يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله.

هل يدل الحديث على أنه يكفي أن يكون مسلمًا وإن لم يكن عدلًا؟ قد يقال: لا يدل، وقد يقال: يدل، أمّا قد يقال: إنه يدل؛ فلأن هذا الرجل لم يبد لنا منه إلا أن شهد أن لا إله إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>