ومن فوائده أيضًا: جواز أكل النبي صلى الله عليه وسلم الهدية؛ لأنه أكل منها، أما الصدقة فلا تحل له، ويدل على أن الصدقة لا تحل له أنه لما دخل ذات يوم وجد البرمة على النار وفيها لحم، فطلب صلى الله عليه وسلم أن يأكل، فقالوا: ليس عندنا شيء، فقال:"ألم أر البرمة على النار؟ " والبرمة: قدر من فخار، قالوا: ذاك لحم تصدِّق به على بريرة، قال:"هو عليها صدقة ولنا هدية"، فأكل منه صلى الله عليه وسلم.
إذن ففي هذا الحديث الأخير دليل على أن الصدقة حرام على النبي صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك أمر معلوم عندهم، وأما الهدية فهي له حلال.
ومن فوائد الحديث: جواز إصدار الأوامر على من لا يستنكف من الأمر؛ لقوله:"أرينيه"، وعليه فيكون النهي عن سؤال الناس لا يشمل مثل هذه الصورة، يعني: النهي عن سؤال الناس لا يشمل من إذا سألته فرح بسؤالك إياه، بل قد يكون هذا من باب الأمر المطلوب والإحسان إليه، أما من إذا سألته استثقل ولم يعطك الشيء إلا حياء وخجلًا، فهلا لا ينبغي لك أن تسأله واقض أنت حاجتك بنفسك.
ومن فوائد الحديث: جواز قطع صوم النفل؛ لقولها:"فأكل"، لكن أهل العلم يقولون: لا ينبغي قطعه إلا لحاجة أو مصلحة، فالحاجة مثل: أن يشق عليه تكميل الصوم لعطش أو جوع أو نحو ذلك، والمصلحة مثل: قطع الصوم تطييبًا لقلب صاحبه، هذا الحديث على أي شيء يحمل: على المصلحة أو على الحاجة؟ يمكن أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم محتاجًا للأكل فأكل، ويمكن أن يكون غرضه بذلك تطييب قلب أهله؛ لأن قولهم:"أهدي لنا حيس" كأنهم فرحوا به ويحبون أن يأكل منه النبي صلى الله عليه وسلم فطلبه فأكل منه.
وفيه أيضًا: جواز إخبار الإنسان عن عمله الصالح، وإن كان يمكنه أن يخفيه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "فلقد أصبحت صائمًاه، ومن الممكن أن يقول: هاتوا الحيس ويأكل بدون أن يعلموا، لكنه أخبرهم، فهل نقول: إن مثل هذا مشروع؟ فلو دعاك رجل وأنت صائم فقلت: إني اليوم صائم فهل نقول: هذا مشروع، أو نقول: هذا من باب الجائز، أو ينظر في ذلك إلى المصلحة؟ هذا الأخير هو الصواب، قد يكون من المصلحة أن تخبره لأجل أن يقتدي بك؛ لأن كثيرا من الناس يأخذ بفعل غيره ويقتدي به، قد يكون من المصلحة إخباره؛ لأنك لو تعذرت بدون ذكر السبب لكان في قلبه شيء، فإذا ذكرت السبب طابت نفسه، قد يكون من المصلحة أن تخبره أنك صائم لأجل ألا يعيد عليك السؤال أو العرض مرة ثانية.
على كل حال: الأفضل أن يبقى الإنسان على صومه إلا لمصلحة أو حاجة، وهل يقاس على ذلك جميع النوافل، يعني: أنه يجوز للإنسان أن يقطع النفل؟ الجواب: نعم كل النوافل يجوز أن تقطعها لكن لا ينبغي إلا لسبب حاجة أو مصلحة إلا الحج والعمرة، قال بعض العلماء: