القدسي:"إن رحمتي سبقت غضبي"، فكل ما فيه خير للعباد ورحمة لهم فهو داخل في هذا الحديث القدسي، بل هو أيضًا دخل فيما جاء به القرآن:{يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}[البقرة: ١٨٥].
هل يؤخذ منه فائدة وهو: كراهة التنطع في الدين؟ نعم؛ لأن تعجيل الفطر ينافي التنطع، والمتنطع يقول: لا أفطر حتى يؤذن مؤذن الحي الذي أنا فيه، هذا متنطع، بعض الجهلاء يرى الشمس غابت بعينه ولكنه لا يفطر، لماذا؟ يقول: ما أذن، والعبرة بغروب الشمس وليست بالأذان.
٦٢٨ - وللتِّرمذيِّ: من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل: أحبُّ عبادي إليَّ أعجلهم فطرًا".
هذا يسمى حديثًا قدسيًا، وهو ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه، يرويه صلى الله عليه وسلم فيما يظهر- وهو أرجح القولين- بالمعنى، فاللفظ "ليس لفظ الله بل هو لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وصح أن ينسب إلى الله كما صح أن ينسب القول- أي: اللفظ - إلى فرعون وإلى صالح وإلى شعيب وإلى موسى وإلى غيرهم، فالله تعالى يقول:{قال موسى لقومه}، {وقال فرعون}، فهل هذا اللفظ الذي قال الله إن فرعون قاله هو لفظ فرعون؟ ليس إياه، وعلى هذا فنقول: إن القول بأن الحديث القدسي منقول بالمعنى أقرب إلى الصحة من القول بأنه منقول باللفظ، لو قلنا: إنه مقول باللفظ لكان هذا اللفظ الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم معجزًا؛ لأنه كلام الله، ولو قيل كذلك لقلنا: إذا اجتمعت أحاديث قدسية جمعت جميعًا وجب ألا تمسَّ إلا بطهارة، ولو قلنا بذلك أيضًا لكان الحديث القدسي أعلى سندًا من القرآن؛ لأن الحديث القدسي ينسبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الله مباشرة، والقرآن إنما جاء بواسطة جبريل، ولهذا صارت رتبة الحديث القدسي بين الحديث النبوي والقرآن.
قال الله عز وجل: "أحبُّ عبادي إلي أعجلهم فطرًا"، "أحب" هذه اسم تفضيل، وهي مبتدأ، و"أعجلهم أيضًا اسم تفضيل، وهي خبر المبتدأ.
قوله:"أحب عبادي" المراد هنا بالعباد: الذين تعبدوا لله العبودية الخاصة، وهي أيضًا عبودية أخص؛ لأن المراد بهم: الصائمون بدليل قوله: "أعجلهم فطرًا".
فيستفاد من هذا الحديث عدة فوائد منها: إثبات المحبة لله لقوله: "أحب عبادي إليّ"، وأن محبة الله تتفاوت لقوله:"أحب"، فالله تعالى يحب هذا العمل أكثر من محبة العمل الآخر، وهذا العامل أكثر من محبة العامل الآخر.