وفي هذا الحديث: رد على أهل التعطيل الذين نفوا إثبات المحبة لله، والناس فيها طرفان ووسط؛ طرف يقول: إن الله تعالى لا يجب ولا يحب، وطرف يقول: إن الله يحب ولا يحب، وطرف يقول: إن الله يجب ويحب، وهذا الأخير هو قول السلف وهو الصحيح. وهنا لم يكن خير الأقوال الوسط؛ لأن الوسط مذهب الأشاعرة ومن ذهب مذهبهم يقولون: إن الله يحب ولا يجب، لماذا؟ يقولون: لأن المحبة ميل الإنسان إلى ما ينفعه أو يدفع الضرر عنه، وهذا لا يليق بالله عز وجل، ولكن قولهم هذا قياس فاسد في مقابلة النص، فهو فاسد في ذاته، وفاسد لمصادمته النص، أما قولهم: إن الإنسان لا يحب إلا ما يلائمه مما يدفع عنه الضرر أو يجلب له الفع فهذا ليس بصحيح، فإن الإنسان قد يحب بعض المواشي، وبعض السيارات، يحب قلمه أكثر من الثاني ... إلخ، بدون أن يكون هناك ملاءمة، لا ملاءمة بين الإنسان والجماد.
ثانيًا: نقول: هذه المحبة التي قلتم هي محبة المخلوق، أما الله صلى الله عليه وسلم فإن محبته ثابتة بدون أن يكون محتاجًا إلى من ينفعه أو يدفع الضرر عنه أو يلائمه؛ لأنه من شكله أولا يلائمه.
ومن فوائد هذا الحديث القدسي أيضًا: أن الناس يتفاضلون في محبة الله لهم لقوله: "أحب عبادي إليَّ"، وما هي القاعدة العامة في فضل الناس عن غيرهم في محبة الله؟ أتبعهم لرسوله صلى الله عليه وسلم الدليل:{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}[آل عمران: ٣١].
والحكم إذا علِّق بوصف ازداد قوة بقوة ذلك الوصف.
ومن فوائد الحديث استحباب المبادرة بالفطر لقوله:"أعجلهم فطرًا"، إذا قدِّر أنها غابت الشمس وأنت ليس عندك ما تفطر به، فماذا تصنع تنوي بقلبك، وقال بعض العامة: تمصُّ أصبعيك، وقال بعضهم: أدخل طرف الغترة في فمك ثم بله بالريق ثم أخرجه ثم رده ومصه- عملية-؛ لأنه إذا انفصل الريق ثم عاد صار مفطرًا، قالوا: ودليل ذلك أن الفقهاء يقولون: لو أنك تسوكت بمسواك ثم أخرجته وفيه ريق ثم أعدته إلى فمك ومصصته وبلعته فإنك تفطرة؛ لأن الريق لما انفصل صار له حكم الأجنبي، بناء على ذلك يقول: أدخل غترك في فمك ثم أخرجها ثم أعدها وامصصها، هؤلاء أفقه من الأولين، أما الأولون فلا حظَّ لهم في ذلك؛ لأن الأصبع ليس فيه شيء. القول الثاني: يكفي النية إذا لم تجد شيئًا.
لو أنه أذَّن وأنت تتوضأ ماذا تفعل: هل تشرب أو تطلب التمر؟ الظاهر أنه إذا كان قريبًا فالتمر أفضل؛ لأن عين التمر-كما سيأتينا- أفضل من الماء.