الإفطار به يزيد البصر، ونحن تعلم جميعًا أن للحلوى تأثيرا على الدم وقوته ولا سيما إذا كان من التمر، وأظنكم قد علمتم أن الله تعالى هيأ لمريم عند نفاسها الرُّطب الجني؛ لأن النفساء قد يخرج منها دم كثير فتحتاج إلى تعويض، وهذا يدل على أن التمر من أحسن ما يعوض عن هذا الدم الذي سال منها عند الولادة، وأيضًا التمر أسهل من غيره مؤنة؛ لأنه لا يحتاج إلى تعب مثل الرز وغيره لكن التمر لا، ولهذا:"بيت فيه تمر لا يجوع أهله وبيت لا تمر فيه أهله جياع"، وأيضًا فيقول ابن القيم رحمه الله: إن التمر فيه حلوى وفيه غذاء، وهو فاكهة إذا كان رطبًا فقد جمع بين الفاكهة والحلوى والغذاء، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الحلوى.
ومن فوائد الحديث: أنه إذا لم يجل التمر أفطر على ماء، إذا كان عنده ماء وخبز فعلى أيهما يفطر؟ على الماء أتباعا للسُّنة، إذا كان عنده ماء وحلوى يفطر على أي منهما؟ اختلف العلماء؛ منهم من قال: يقدم الحلوى؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر التمر والحلوى تشاركه في الحلاوة، ويكون ذكر التمر هنا؛ لأنه أيسر ما يكون عند القوم، ومنهم من قال: نحن في هذه الأمور ينبغي أن نكون ظاهرية لا سيما وأن الرسول صلى الله عليه وسلم علل قال: "فإنه طهور"، ولم يعلل في التمر؛ لأن فائدته ظاهرة، لكن علل في الماء ترغيبًا فيه لئلا يقول قائل: ما فائدة الماء؟ فقال: إنه طهور، والذي يترجح عندي أن نقدم الماء، لكن يشرب من الماء بمقدار ما يحصل به الفطر ثم يأكل مما عنده.
ومن فوائد الحديث: بيان فائدة الماء وتطهيره لبدن الصائم إذا أفطر عليه؛ لقوله:"فإنه طهور".
ومن فوائده أيضًا: تعليل الأحكام الشرعية لقوله: "فإنه طهور"، وحسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قرن الحكم بالعلة.
ومنها أيضًا: اتخاذ ما يعين على امتثال الأمر، يعني: التشجيع على فعل الأمر والإغراء به، من أين يؤخذ؟ من قوله:"فإنه طهور"؛ لأن هذه العلة تبعث النفس على أن تفطر على ماء وإلا فقد يقول قائل-كما أسلفت قريبًا-: ما فائدة الماء؟ فتأخذ منه التشجيع على فعل الأمر، وأن هذا لا يدخل في باب الرياء، وبناء على ذلك يكون تشجيع حفظة القرآن بالمال أو بالكتب أو بغيرها مما يفرحون به ويشجعهم أمر له أصل في الشرع كما أن له أصلًا في الشرع من جهة سلب القاتل، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل لمن قتل قتيلًا من الكفار له سلبه، يعني: ثيابه وما عليه خاصة به، وهذا بلا شك تشجيع، وكذلك جعل لكل من دل على حصن من حصون الكفار أو