للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: وزاد في رواية: "في رمضان"، وعلى هذا يكون قولها: "وهو صائم" الذي ذكرنا قبل قليل أنه يعم الفرض والنفل، يكون هذا الحديث في الفرض لكن إذا جاز في الفرض ففي غيره من باب أولى.

ففي هذا الحديث تخبر عائشة رضي الله عنها عن أمر خفي لا يطلع عليه إلا أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا من جملة الفوائد التي أشرنا إليها فيما سبق في تعدد أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينقلن للناس ما لا يطلع عليه إلا هن، فهي هنا أخبرت أنه يقبِّل وهو صائم، والتقبيل كما نعرف لا بد أنه يحرك الشهوة، اللهم إلا من رجل ميت الشهوة ضعيف فيها جدًّا فهذا لا تتحرك شهوته، أما رجل فيه شيء للنساء فإنه لا بد أن تحرك القبلة شهوته إذا قبَّل زوجته، وكذلك أيضًا إذا أخذ يباشر وهو أعظم من التقبيل، لأن المباشرة هنا الجماع فيما دون الفرج وهو أشد من التقبيل إثارة للشهوة.

قالت عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض". فهذا الحديث يفسر الحديث الذي نحن بصدده، ولكن هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينزل؟ قولها: "ولكنه كان أملككم لإربه" يدل على أنه لا ينزل، وأنه يملك نفسه بحيث لا يخرج منه شيء بهذا التقبيل وهذه المباشرة، وهذه الجملة أرادت رضي الله عنها ألا يتصرف الناس كتصرف النبي صلى الله عليه وسلم إذا كانوا لا يملكون أنفسهم؛ لأن الجملة التعليلية لا بد أن يكون لها أثرها، فإذا كان الإنسان لا يملك إربه ويخشى على نفسه أن يجامع أو أن ينزل فإنه يجب عليه أن يتوقف ولا يجوز له أن يفعل ذلك؛ لأنه يعرض صيامه للخطر إلا إذا كان الصيام نفلًا، فإن صيام النفل يجوز للإنسان أن يقطعه تعمدًا، أو إذا كان الصيام فرضًا في حال لا يلزمه الصيام فيها، فإذا كان فرضًا في حال لا يلزمه الصيام فيها فله أن يفعل، كما لو كان في سفر، فإن المسافر له أن يفطر في نهار رمضان، فله أن يباشر وأن يقبِّل وأن يجامع وأن يأكل ويشرب ولا حرج عليه؛ لأنه أبيح له أن يفعل.

استفدنا من هذا الحديث عدة فوائد: أولًا: جواز الحديث عما يستحيا منه في إظهار الحق لفعل عائشة رضي الله عنها حيث تكلمت بأمر يستحيا منه، فإن المرأة تستحيي من هذا، لا سيما إذا كانت تريد نفسها كما تدل عليه الرواية الأخرى أنه يقبِّلها هي رضي الله عنها، لكن في بيان الحق لا ينبغي أن يستحيي الإنسان من أي شيء، ولهذا قالت أم سليم لما سألت الرسول صلى الله عليه وسلم عن المرأة تحتلم قالت مقدمة لسؤالها: إن الله لا يستحيي من الحق .. إلخ، والاستحياء من الحق لا

<<  <  ج: ص:  >  >>