المعنى ويكون غيرهما داخلًا في العموم المعنوي، ويكون ذكر هذا الشيء المعين كالتمثيل فقط، ومن ثم قيل: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب أيًا كان، فإن الحكم لهما ولغيرهما، لكن يقول:"ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم"، وفي بعض ألفاظ الحديث:"إنما كرهت من أجل الضعف"، ثم رخص، فإذا كان كراهة الحجامة من أجل الضعف، فإن المعروف أن الضعف لا يزول، وما علق الحكم به على أمر لا يزول فإن نسخه لا يمكن إلا أن تزول تلك العلة التي من أجلها شرع الحكم، قال:"وكان أنس يحتجم وهو صائم"، لو صح هذا لكان فيصلًا في المسألة.
في هذا الحديث فوائد: منها: الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "أفطر هذان" بعد أن رآهما يحتجمان، ومن المعلوم أن هذين المحتجمين لا يعلمان الحكم؛ لأنهما لو علما الحكم ما فعلاه، ما احتجما، فكيف قال:"أفطر- هذان" والقاعدة عندنا: أن المحظور إذا فعل على سبيل الجهل فإنه لا يؤثر، فكيف نخرَّج هذا الحديث؟ لأنك إن قلت: إنهما كانا عالمين فهو بعيد، وإن قلت: غير عالمين فقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهما أفطرا؟ الجواب على هذا: أن المراد بقوله: "أفطر هذان": بمنزلة قوله: "أفطر الحاجم والمحجوم"، فيكون المراد: أفطر هذا النوع من الناس الذي حجم واحتجم، هذا قول.
والقول الثاني: أن المراد بيان أن الحجامة تفطر، وأن الحجامة سبب بقطع النظر عن كون هذين الرجلين ينطبق عليهما شروط الفطر أو لا ينطبق، فيكون هنا كأن في الحديث إيماء إلى بيان سبب الفطر لا إلى الحكم بكون هذين الرجلين قد أفطرا، وهذا هو ما نقله ابن القيم في إعلام الموقعين، عن شيخه ابن تيمية رحمه الله يقول: إن المراد بيان أن هذا الفعل مفطر، أما كون هذين الرجلين يفطران فهذا يعلم من أدلة الكتاب الأخرى، وهذا الحمل واجب؛ لأن لدينا نصوصًا عامة صريحة واضحة في أن الجاهل معذور بجهله، فيجب أن تحمل هذه النصوص المتشابهة على النصوص المحكمة إذا كان الحمل ممكنًا، أما إذا لم يكن ممكنًا فإن هذا يبقى مخصصًا للعموم، ويثبت الحكم فيه بخصوصه لا يتعداه إلى غيره، فلو فرض أننا لم نجد محملًا لهذا الحديث قلنا: نخصه بالحالة الواقعة فقط، ونقول: من أفطر بالحجامة ولو جاهلًا؛ لأنها تفطر فعليه القضاء يكون مفطرًا وفي غيرها لا قضاء عليه. إذن زال الإشكال مادام حملناه على الجنس أو النوع أو على بيان السبب.