للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على كل حال: الأكل والشرب كمثال، وخوفًا من أن يقول قائل: إن الجماع له حكم آخر أتى المؤلف برواية الحاكم، وهي قوله: "من أفطر من رمضان"، فإن "من أفطر" يعمُّ الأكل والشرب والجماع وغيرها من المفطرات، والحديث بهذا صحيح كما قال المؤلف، فلو قدَّر عدم صحته فهل يمكن أن نأخذ الحكم في الجماع وغيره من المفطرات من قوله صلى الله عليه وسلم: "من نسي فأكل أو شرب"؟ نعم، بالقياس يكون هذا على سبيل التمثيل.

قوله: "فأكل أو شرب" الفرق بينهما أن الأكل في الطعام والشرب في الشراب، يعني: في المائعات وشبهها هذا يسمى شرابًا، وما كان جامدًا فهو أكل، وعلى هذا فالشكر إذا وضعه الإنسان في فمه هل هو أكل أو شرب؟ يوجد سكر شراب واضح يمص مثل: قصب السكر، فهذا الشراب، لكن السكر الدقيق يلحق بالأكل عبارة المنتهى وهو من الحنابلة يقول: "وبلع ذوب سكر بفم كأكل".

الفائدة من هذا: أن العلماء قالوا: إنه يجوز للذي يصلي نفلًا إذا عطش وهو يصلي أن يشرب ماء قليلًا وهو يصلي، فسامحوا في الشرب القليل في النفل دون الفرض، فقيل لهم في الذي يضع حلاوة ويمصها أو سكر ويمصه، قالوا: إنه كالأكل، قالوا: لأنه [جسم] جامد فصار طعامًا لا شرابًا، وشرب الماء فعله ابن الزبير وهو أحد الصحابة، قال: "فأكل أو شرب فليتم صومه"، كلمة "فليتم" تفيد بأن الصوم لم ينقص، أي: فليستمر في صومه حتى الغروب.

ثم قال في تعليل ذلك: "فإنما أطعمه الله وسقاه"، هذا تعليل للحكم، يعني: أن هذا الحكم الصادر منه نسيانًا لا ينسب إليه، وإنما ينسب إلى الله عز وجل، فإن الله أطعمه وسقاه، يعني: هو ما تعمد أن يفسد صومه بالأكل والشرب، فإذن يكون الله عز وجل قد أطعمه وسقاه وكما في حديث عائشة رضي الله عنها: "إنما هو رزق ساقه الله إليك"، وللحاكم: "من أفطر في رمضان ناسيًا".

قلنا: فائدة هذه الرواية أن فيها العموم دون التخصيص بالأكل والشرب، "من أفطر" بأي شيء يفطر به ناسيًا، "فلا قضاء عليه ولا كفارة"، كلمة "ولا كفارة" تدل دلالة ظاهرة على أن الجماع داخل؛ لأنه لا كفارة إلا في الجماع، وعليه فإذا كان جامع ناسيًا فلا يفسد صومه ولا كفارة عليه.

يؤخذ من هذا الحديث فوائد كثيرة، أولًا: جريان النسيان على بني آدم؛ لقوله: "من نسي".

وثانيًا: أن النسيان لا يقدح في الإنسان، لماذا؟ لأنه من طبيعة الإنسان، ولو كان سببًا للقدح لما عذر به الإنسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>