وهذه ما جمعت بالألف والتاء وإنما جمعت بالصيغة؛ لأن "عصاة" على وزن "فعلة"، ومفردها عاصٍ. إذن نقول: العصاة ليست جمعًا مؤنثًا سالمًا، ومن ذلك كتبت التاء بالهاء، ولو كانت جمعًا مؤنثًا سالمًا لكانت مفتوحة، فما هي المعصية؟ المعصية مخالفة الأمر، وتارة تكون بترك الواجب، وتارة تكون بفعل المحرم، هذا إذا ذكرت وحدها، أما إذا قيل: طاعة ومعصية فالطاعة في الأمر والمعصية في فعل المنهي عنه، فإن أفردتَّ إحداهما شملت الأخرى، وفي اللفظ الثاني فيه بيان سبب فطر النبي صلى الله عليه وسلم وهو أنه إنما أفطر من أجل مشقة الصوم على الناس.
ففي هذا الحديث فوائد كثيرة، منها: عدم جواز قتال أهل مكة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان قد خرج لقتالهم؛ إلَّا أن هذا الحكم- قتالهم- قد نسخه النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني من الفتح، فإنه قام خطيبًا في الناس، وأخبر بأن مكة حرام بحرمة الله منذ خلق السموات والأرض، وأنها لم تحل لأحد قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنها لم تحل للرسول صلى الله عليه وسلم دائمًا، وإنما أحلت له ساعة من نهار للضرورة، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنها عادت حرمتها منذ ذاك اليوم الذي خطب فيه كحرمتها بالأمس، يعني: كانت حرامًا ثم أحلت، ثم حرمت، فيكون النسخ وقع عليها مرتين.
ثم قال: إن أحدًا ترخَّص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقوله: "إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم"، جواب لأمر مفروض، إذن قولنا: إنه يستفاد منها عدم جواز القتال في مكة صحيح؛ لأن هذا خاصٌّ بالرسول صلى الله عليه وسلم للضرورة، وكان في هذا الإذن من المصالح العظيمة ما لا يربو على مفسدته وإلا فقتال أهل مكة في البلد الآمن ليس بالأمر الهين، لكن فيه من المصالح العظيمة ما يربو على هذه المفسدة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم حرر مكة من الشرك ومن حكم أهل الشرك وصارت البلد بلدًا إسلاميًّا بعد أن كانت بلد كفر.
وفي هذا دليل على جواز الخروج للقتال في رمضان. لا يقول قائل: سنبقى حتى نفطر، بل نقول: متى دعت الحاجة إلى الخروج فاخرج ولو في رمضان؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج في رمضان.
وفيه دليل على جواز الصوم في السفر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام والناس معه، وهذه المسألة