الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة: ١٨٥]. جاءت في آيات الصيام من أجل هذه الأمور الثلاثة، قالوا: إن صوم الإنسان في رمضان أفضل من الفطر في السفر، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله، والذين قالوا: إن الفطر أفضل ويكره الصوم وهذا مذهب الحنابلة- رحمهم الله-، وعللوا ذلك بأن هذا رخصة من الله وكرم، والإنسان لا ينبغي له أن يرد الرُّخصة والكرم؛ لأن ردَّ كرم الكريم غير محبوب إلى النفوس، وغير لائق من حيث الأدب، ولهذا لما سأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى:{وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصَّلوة إن خفتم أن يفتنكم الَّذين كفروا}[النساء: ١٠١]. قال: يا رسول الله، كيف نقصر ونحن آمنون؟ قال:"صدقة تصدَّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته". معناه: أننا مأمورون بأخذ الرُّخص وألا نشدد على أنفسنا، فقالوا: ما دامت رخصة فإن الأولى الأخذ بها وألا نرد فضل الله وكرمه وإحسانه بل نقبله، والله عز وجل إذا أنعم على عبده نعمة يحب أن يرى نعمته عليه، وأيضًا فإننا نتحاشى بذلك قول بعض علماء المسلمين، وهو: أن الإنسان إذا صام لا يقبل منه صومه ولا تبرأ به ذمته، فنحن نؤخره لنصومه قضاء، وإذا صمناه قضاء أجزأ عنا ذلك بإجماع المسلمين ظاهريَّهم وقياسيَّهم، وإذا صمنا في رمضان قال لنا بعض علماء المسلمين: إن صومكم غير صحيح، فإذن نراعي هذا الخلاف ونؤخر الصوم ونجعله قضاء.
وأما الذين قالوا بالتخيير على السواء، فاستدلوا بحديث أنس رضي الله عنه:"كنا نسافر مع النبي"؛ فمنا الصائم ومنا المفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم". إذن المسألة ما فيها لوم على من صام ولا على من أفطر، وهذا يدل على التخيير، ولكننا إذا رجعنا إلى النظر بين هذه الأقوال الثلاثة وجدنا أن القول الأخير ضعيف، وهو أن الصوم والفطر على حد سواء، يبقى النظر بين مذهب الشافعي في المشهور منه، ومذهب الحنابلة في المشهور عنهم، مذهب الشافعي مؤيد بنص، ومذهب الحنابلة مؤيد بالقياس، والمؤيد بالنص أقوى؛ لأننا نقول: كل هذه النظريات والأقيسة تبطل بكون أتقى الناس وأعلمهم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم في السفر، وما دام يصوم فلا ريب أن الأفضل الصوم، نعم، نحن نوافقكم على أن الإنسان إذا وجد في الصوم أدنى مشقة فإننا نقول له: لا تصم، بل الصوم لك مكروه؛ فإن تضررت فهو حرام عليك، وهذا القول هو الراجح عندي، بمعنى: أن الأفضل الصوم إلا لمن يجد مشقة ولو يسيرة فالأفضل الفطر، ومن خاف ضررًا أو مشقة غير محتملة فإن الصوم فيه حقه حرام؛ لأن عدوله فن الفطر مع وجود المشقة الشديدة يدل على تنطع في الدين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هلك المتنطعون"، وبهذا نعرف خطأ بعض العامة وأشباه العامة الذين يذهبون إلى