العمرة في رمضان ثم يعلمون أنهم سيقدمون في النهار، وأنه سيلحقهم مشقة في الطواف والسعي وطلب المنزل وما أشبه ذلك، وتراهم يصومون! تجد الواحد منهم يتعب في الطواف والسعي وغيره وهو مصرٌّ على الصوم، لماذا؟ خطأ هذا إذا قال: هل ترون أن أبقى صائمًا وأؤجل أداء مناسك العمرة، أو أن أفطر وأؤدي مناسك العمرة فور وصولي؟ الأخير لا شك أنه أفضل، لماذا؟ لأن لدينا قاعدة شرعية أن الشيء المقصود ينبغي المبادرة به، دليل هذه القاعدة فعل أحزم الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، المبادرة بالشيء؛ لأن انتهاز الفرص أمر مطلوب للشرع، ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم ومن الحزم؛ لأن الإنسان لا يدري ما يعرض له، هذه القاعدة أخذناها من عدة وقائع:
منها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما بال الأعرابي في المسجد أمر بذنوب من ماء فأهريق عليه، ولم يتأخر مع أنه من الممكن أن يتأخر، وتطهر الأرض بالشمس والهواء.
ثانيًا: لما بال الصبي في حجره ما قال: إذا قمت إلى الصلاة أنضح الثوب، بل دعا بماء وأتبعه إياه، ولمَّا دعاه عتبان بن مالك إلى بيته لمكان يصلي فيه النبي صلى الله عليه وسلم يتخذه عتبان مصلَّى قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى عتبان في بيته، وكان قد جهز لهم طعامًا، فمن حين دخل النبي صلى الله عليه وسلم قال: أين تريد أن أصلي؟ ما جلس يأكل الطعام ثم بعد ذلك يقول: أين المكان، فور وصوله قال: أين تريد أن أصلي؟ فدل هذا على المبادرة: إذن فأنا ما قدمت إلى مكة إلَّا للعمرة كيف أؤخرها إلى الليل مراعاة للصوم الذي يحل لي أن أفطر منه، هذا واحد.
ثانيًا: دليل خاص بهذه المسألة، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم مكة للنسك لا يبدأ بشيء قبله، حتى إنه لا ينيخ راحلته إلا عند المسجد للمبادرة بقضاء النسك، فنقول لإخواننا الذين يقدمون مكة للعمرة في رمضان: الأولى بكم والأوفق للسُّنة أن تفطروا، ما دمتم ستجدون مشقة فأفطروا وأدوا المناسك بسهولة، جماعة لم يفطروا ودخلوا مكة صائمين وطافوا، ولما طافوا عطشوا شق عليهم العطش، نقول: أفطروا ولا بأس، وهل يشربون والناس ينظرون؟ في مكة الآفاقيون فيها كثيرون، يمكن في بلدك التي ما يرد عليها آفاقيون يمكن أن نقول: لا تفطر علنًا، لكن في مكة في ظني أن هذا لا بأس به ولو أمام الناس، وقد فعلت ذلك أنا في العام الماضي وتعمدته، جلست إلى إحدى الترامس وجعلت أشرب فوقف واحد عليَّ، وقال: كيف تشرب في رمضان؟ فقلت: هذا يا أخي جائز نحن مسافرون، لكن على كل حال القصد إن مثل هذه المسائل إظهارها للناس من أجل ألا يشدد عليهم.