إذن نأخذ من هذا: أن الأفضل لمن يشق عليه الصوم أن يفطر، هل هناك دليل لهذه المسألة؟ نقول: الدليل هذا الحديث الذي معنا، ودليل آخر نص في الموضوع في قصة الرجل الذي كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى النبي صلى الله عليه وسلم زحامًا ورجلًا قد ظلل عليه قال:"وما هذا؟ " قالوا: صائم. فقال:"ليس من البر الصيام في السفر". فنفى أن يكون برًّا، وهذا مما استدل به أيضًا من يقول: إن الأفضل الفطر، أخذوا بالعموم، ولكن نقول: الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "ليس من البر الصيام في السفر" في حالة خاصة، وهي المشقة التي بلغ بصاحبها أن يظلل عليه، وأن يزدحم الناس عليه كأنه في مرض الموت.
ويستفاد من هذا الحديث: جواز الفطر في أثناء النهار للمسافر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر بعد العصر.
زد على ذلك أنه يستفاد منه: جواز الفطر لمن رخص له فيه، ولو في آخر النهار.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإمام المتبوع والمسئول أن يراعي أحوال الناس، ويعدل عن الأفضل إلى المفضول مراعاة لأحوال الناس؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم مراعاة لأحوال الناس، ويدل على أنه أكثر مراعاة لأحوالهم ما سبق بحديث أبي الدرداء، ويدل ذلك أيضًا أن الرسول صلى الله عليه وسلم في صلاة العشاء كان يستحب أن يؤخر من العشاء، ولكن إذا اجتمع الناس عجَّل لئلا يشق عليهم في الانتظار، فيدع الفاضل إلى المفضول مراعاة لأحوال الناس، بل يدل على ذلك أيضًا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك بنيان الكعبة على قواعد إبراهيم خوفًا من تغير الناس ونفورهم، قال لعائشة:"لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم، وجعلت لها بابين: باب يدخل منه الناس، وباب يخرجون منه". ولكنه تركها خوفًا من نفور الناس، والحكمة فيما قدر الله عز وجل لما تولى عبد الله بن الزبير رضي الله عنه الخلافة في الحجاز هدمها وبناها على قواعد إبراهيم، وجعل لها بابين، باب يدخل منه الناس، وباب يخرجون منه، ولما قضي عليه رضي الله عنه أعيدت الكعبة على ما هي عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الحكمة فيما أراد الله - سبحانه وتعالى- الآن، يعني: ما أراده النبي صلى الله عليه وسلم من انتفاع الناس بدخول الكعبة، وجعل بابين لها حصل، أين البابان؟ الحجر الآن من الكعبة له باب يدخل منه الناس وباب يخرجون، مع أن في هذا راحة الناس أكثر مما لو كانت قد سقفت، لو كان الناس على جهلهم اليوم لقتل بعضهم بعضًا، يمكن أن يكون الذي يدخل لا يخرج، لكن من نعمة الله عز وجل أنه تعالى أعادها على ما كانت عليه، والذي قدره النبي صلى الله عليه وسلم وأراده حصل- ولله الحمد- الآن باب يدخل منه