للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: "تعتق رقبة" الإعتاق بمعنى: تحرير الرقبة وتخليصها من الرق، هذا الإعتاق، ويحصل الإعتاق إما باللفظ وإما بالفعل وإما بالملك، إما باللفظ بأن يقول: "أنت عتيق" وإما بالفعل كالتمثيل به وإما بالملك كشراء من يعتق عليه مثل أن يشتري ابنه أو أباه أو أخاه أو عمه أو خاله أو من بينه وبينه رحم محرم فإنه بمجرد شرائه يكون عتيقًا.

وقوله: "رقبة" المراد بها: النفس كاملة، والرقبة نفسها لا تعتق، لكنه عبر بالبعض عن الكل للدلالة عليه، والتعبير بالبعض عن الكل لا يستساغ إلا إذا كان هذا البعض إذا فقد فقد الكل، ولهذا لا نقول: أعتق أصبعًا، لماذا؟ لأنه إذا فقد لا يفقد الكل بل نقول: أعتق رقبة، ومن هذه القاعدة ما مر علينا من أن الشارع إذا عبَّر عن العبادة ببعضها دلَّ على أن ذلك البعض ركن فيها لا تصح بدونه فمثلًا التعبير عن الصلاة بالقرآن يدل على أن القرآن ركن فيها، قال الله تعالى: {وقرآن الفجر} [الإسراء: ٧٨]. والتعبير عنها بالتسبيح يدل على أن التسبيح واجب فيها، والتعبير عنها بالركوع يدل على أن الركوع واجب فيها، وكذلك التعبير عنها بالسجود يدل على أن السجود واجب، قوله: "رقبة" نكرة في سياق الإثبات.

قال: "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال لا. قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكينًا. قال: لا"، كم خصلة ذكرت؟ ثلاث: الإعتاق وبدأ به أولًا، ثم الصيام، ثم الإطعام، ثم جلس الرجل عند النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، العرق: هو المكتل- الزنبيل الذي تحمل به الحوائج- فقال: "تصدَّق بهذا" قال: الفاعل النبي صلى الله عليه وسلم والمخاطب الرجل، قال: "أعلى أفقر منا؟ " الهمزة هنا للاستفهام، والجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره: أتصدق على أفقر منا، ولهذا قال: "فما بين لابيتها أهل بيت أحوج إليه منا" قوله: "لابتيها" تثنية لابة، واللابة: الحرَّة، وللمدينة حرتان: شرقية وغربية، والحرَّة هي: أرض تركبها حجارة سوداء.

"فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه" مم ضحك؟ ضحك من حال هذا الرجل، فإن هذا الرجل جاء خائفًا مشفقًا يقول: إنه هلك، وقبل أن يفارق المكان صار طماعًا يجبي لنفسه، فلما قال: "تصدَّق به" قال: " على أفقر مني؟ " طمع في النبي صلى الله عليه وسلم وقوله "أنيابه" جمع ناب، وهي: الأسنان التي تلي الرُّباعية؛ لأنه يوجد الثنايا والرباعيات والأنياب والأضراس والنواجذ. الثنايا هما السنان المتجانيان في وسط الفم متواليان بعضهما يلي بعضًا، والرُّباعيات بعدهما، لأن الثنية مع الرباعية، والثنية الأخرى مع الرباعية صارت أربعة، والأنياب هي التي وراء الرباعيات، وسميِّت أنيابًا لأنها تشبه الناب؛ فإنها مستديرة قليلًا، بينما الرُّباعيات والثنايا مفلطحة، وما وراء ذلك فهي أضراس، والنواجذ قالوا: إنها أقصى الأضراس، وبعضهم قال إن

<<  <  ج: ص:  >  >>