النواجذ تطلق على الأنياب، ثم قال:"اذهب فأطعمه هلك" أي: التمر، الرجل ذهب ورجع إلى أهله بتمر وكان قد خرج منهم وهو يخشى على نفسه، ولكنه رجع غانمًا.
ففي هذا الحديث فوائد كثيرة: حتى إن بعضهم جمع فيه ألف فائدة وواحدة، يعني:(١٠٠١).
أولًا: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته لشرع الله، وجه ذلك: أنه لم يعنَّف هذا الرجل ولم يوبخه على ما صنع مع أن الذي صنعه من كبائر الذنوب؛ لأنه انتهاك لحرمة رمضان وفرضية الصوم، ولكن لم ينتهره النبي صلى الله عليه وسلم، لماذا؟ لأن الرجل جاء تائبًا، وهناك فرق بين [إنسان] يجيء تائبًا يريد الخلاص، وبين إنسان غير مبال بما يصنع من الذنوب.
ومن فوائد الحديث: أنه يجوز للرجل أن يخبر عن ذنبه عند الاستفتاء، ولا يقال: إن هذا من باب كشف ستر الله عز وجل وجهه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه، لم يقل: اجعل هذا بيني وبينك.
ومن فوائد الحديث: أن الرجل إذا أفطر بالجماع وجبت عليه الكفارة وإن لم يعلم أنها واجبة عليه؛ لأن هذا الرجل لم يدر ماذا يجب عليه لكن يدري أن الجماع حرام؛ لأنه قال: هلكت. وإن كان فيه احتمال أنه أخبر بعد أن فعل بأن ذلك حرام، لكن هذا الاحتمال وارد، وقد مرَّ علينا أن الأصل عدم الوارد، بمعنى: أن هذا الاحتمال يرد على القضية ورودًا ليس هو من لوازم القضية، بل هو وارد عليها، والأصل عدم الورود.
فإذا قال قائل: يحتمل أنه أخبر بعد أن فعل، قلنا: أين الدليل؟ الأصل عدم ذلك وحينئذٍ يبقى الاستدلال بهذا الحديث واضحًا بأن الرجل كان عالمًا بأنه حرام ولكنه جاهل بماذا يجب عليه، هل يقاس على ذلك ما لو زنا رجل وهو يعلم أن الزنا حرام، لكنه يجهل الحد الواجب فيه؟ يقاس عليه لا شك؛ لأن العلم بالعقوبة ليس بشرط؛ الشرط العلم بالحكم الشرعي فإذا علم الإنسان الحكم الشرعي وأقدم على انتهاكه عوقب بما يقتضيه ذلك الانتهاك والعلم بالحد ليس بشرط، وقد مرَّ علينا في (كتاب الحدود) أن الشرط أن يكون عالمًا بالتحريم.
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب الكفارة المغلَّظة في الجماع في نهار رمضان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب عليه الكفارة، فإن قلت: هل يقاس على ذلك إذا كان صائمًا في قضاء رمضان أو لا يقاس؟
يقال: لا يقاس، والفرق بينهما حرمة الزمن، وعليه فلو أن الرجل جامع زوجته وهو يصوم رمضان قضاء فلا كفارة عليه؛ وذلك لأن وجوب الكفارة من أجل انتهاك الصوم في زمن محترم وهو نهار رمضان، ويدلكم على هذا لو أن رجلًا أفطر في قضاء رمضان عامدًا فالفطر حرام ويلزمه الإمساك، وإذا كان الجماع في نهار رمضان يمتاز عن غيره بهذه العلة فإنه لا يمكن