للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويقولون: لو قلنا: إنه يصوم عنه فإن أثَّمناه بعدم الصوم خالفنا قوله تعالى: {ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى}، وإن لم نؤثمه فقد يكون مخالفًا لظاهر الحديث؛ لأن ظاهر الحديث: "صام عنه وليه" هذا أمر، والأصل في الأمر الوجوب، أما الذين قالوا: إن هذا في النذر دون الواجب بأصل الشرع فقالوا: لأن الواجب بأصل الشرع أوكد من حيث الفرض من الواجب بالنذر؛ لأن الواجب بأصل الشرع أوجبه الله على عباده عينًا، والواجب بأصل النذر أوجبه الإنسان على نفسه، فدخلته النيابة دون الواجب بأصل الشرع فهو كما لو التزم الإنسان بدينٍ عليه ثم مات، فإنه يقضي عنه، ولكن نقول: هذا تعليل عليل كالأول، الأول رددناه بأن الحديث ضعيف، والثاني لو فرض صحته لكان عامًّا يخصص بهذا الحديث، ويكون معنى: "لا يصوم أحد عن أحد"، يعني: لو كنا أحياء، وجاء شخص وقال: أنا أعرف أن الصوم يكلفك، ولكن أصوم عنك هذا لا يجوز، أما إذا مات فهي مسألة خاصة فتكون مخصصة للعموم على تقدير صحة الحديث، أما على رأي من قال: إنه خاصٌ بالنذر، فنقول لهم: هذا ضعيف أيضًا؛ لأننا لو نظرنا إلى الواجب بأصل الشرع والواجب بأصل النذر من الصيام لوجدنا أن الواجب بالنذر قليل بالنسبة إلى الواجب بأصل الشرع، متى يأتي رجل ينذر أن يصوم، لكن متى يكون على الرجل قضاء من رمضان؟ كثير، فكيف نحمل الحديث على الشيء النادر القليل وندع الشيء الكثير؟ هذا بعيد، إذا حملنا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم على شيء نادر وألغينا الشيء الكثير فهذا صرف للكلام عن ظاهره، وعلى هذا فنقول: الصواب بلا شك أنه يجوز أن يصام عن الميت ما كان واجبًا بأصل الشرع وما كان واجبًا بالنذر.

رجل مر به رمضان وهو مريض مرضًا معتادًا يرجى برؤه كالزكام مثلًا، استمر به المرض حتى مات في آخر شوال هل يقضى عنه؟ لا يقضى عنه، لماذا؟ لأنه لم يتمكن، والمريض عليه عدة من أيام أخر.

رجل آخر عليه قضاء من رمضان كان مسافرًا لمدة خمسة أيام وقدم من سفره، وبعد مدة مرض ومات هل يصام عنه؟ نعم، يصام عنه؛ لأن هذا قد وجب عليه الصوم وتمكن منه وفرط فيه.

هل يصام عنه متتابعًا أو متفرقًا؟ نقول: ظاهر الحديث "صام عنه وليه" أنه يجوز متتابعًا ويجوز متفرقًا، كما أن الأصل أن الميت الذي عليه الصوم لو صام متتابعًا أو متفرقًا جاز، فكذلك من يصوم عنه يجوز متتابعًا ومتفرقًا.

في الحديث دليل على أنه: لو اجتمع عدد من الأولياء وصام كل واحد منهم جزءًا مما عليه فهو جائز، يؤخذ من عموم قوله: "صام عنه وليه"، إلا إذا كان الصوم مما يشترط فيه التتابع فلا يجزئ مثل الكفارة فإنه لا يجزئ؛ لأن من ضرورة التتابع ألاَّ يصوم جماعة عن واحد، فمثلًا إذا

<<  <  ج: ص:  >  >>