للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي صلى الله عليه وسلم: "الحج عرفة"، ولم يقل: الحج الطواف مع أنه ركن، وسمَّيت عرفة لعدة أقوال أصحها: أنها سمِّيت بذلك؛ لأنها مرتفعة، وهذه المادة "ع ر ف" تدل على الارتفاع، ومنه سمي عرف الديك لأنه مرتفع.

يقول: "فقال: يكفر السَّنة الماضية"، "يكفر" التكفير بمعنى: السَّتر ومعنى يكفر السَّنة الماضية، يعني: يستر الذنوب التي وقعت من الإنسان في السَّنة الماضية، وكذلك في السَّنة الباقية، أين السَّنة الباقية؟ يعني: من تسع ذي الحجة إلى محرم؟ لا، لأنه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم تحدد السَّنوات، وعلى هذا فتكون السَّنة الباقية من تاسع ذي الحجة إلى تاسع ذي الحجة.

وسئل عن صوم يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من محرم وصومه مشروع، فأول ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون العاشر من شهر محرم وقالوا: إننا نصومه؛ لأن الله تعالى نجَّى فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه، فنحن نصومه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نحن أولى بموسى منكم"، فصامه وأمر الناس بصيامه، وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أن صومه كان واجبًا ثم نسخ بصوم رمضان، فصوم عاشوراء معروف، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم في منزلة صوم هذا اليوم فقال: "يكفر السَّنة الماضية" فقط السَّنة الماضية، ما هي؟ يعني: عشرة أيام فقط؟ لا، إذن من محرم السابق إلى تاسع يكفر السَّنة الماضية.

وسئل عن صوم يوم الإثنين وهو معروف فقال: "ذاك يوم ولدت فيه وبعثت فيه أو أنزل عليَّ فيه"، وهذا شك من الراوي هل قال: بعثت أو قال: أنزل، وتحتاج للتحرير من أصل مسلم؛ لأنها محتملة بالواو أو بـ"أو"، هذا الحديث فيه سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم هذه الأيام الثلاثة: عرفة، وعاشوراء، ويوم الإثنين فبيَّن حكمها صلى الله عليه وسلم.

فيستفاد من هذا الحديث عدة فوائد أولًا: حرص الصحابة- رضي الله عنهم- على العلم، وهل سؤال الصحابة عن هذا العلم أو للعلم والعمل؟ الثاني، أما أسئلتنا نحن في هذا العصر فأكثرها للعلم، العلم كثير ولكن العمل قليل.

ومن فوائد الحديث: أن صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية وباقية، وظاهر الحديث أنه يكفر الصغائر والكبائر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق ولم يفصَّل، وما أطلقه النبي فإنه يكون مطلقًا، وقد أخذ بهذا بعض العلماء وقال: إنه يكفر السنَّة الماضية والباقية سواء كانت هذه الذنوب صغائر أم كبائر، ولكن الجمهور على أنه لا يكفر إلا الصغائر، أما الكبائر فلا بد لها من توبة، وأيدوا رأيهم قالوا: لأن صوم يوم عرفة ليس أوكد ولا أفضل من الصلوات الخمس أو الجمعة أو

<<  <  ج: ص:  >  >>