رمضان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنب الكبائر"، فقالوا: إذا كانت هذه العبادات العظيمة التي هي من أركان الإسلام لا تقوى على تكفير الكبائر فصوم هذا اليوم النفل من باب أولى، والراجح: أنه يقيد كما قيدت الصلوات الخمس ورمضان إلى رمضان.
مسألة: ظاهر الحديث أنه يسن أو يشرع صوم يوم عرفة لمن كان واقفًا بها ولغيرهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفصِّل، وهذه المسألة مختلف فيها، فقال بعض العلماء: إن هذا الحكم شامل لمن كان واقفًا بعرفة ومن لم يكن واقفًا بها، ولكن الصحيح الذي عليه الجمهور: أنه لمن لم يقف بعرفة، فأما من كان واقفًا بها فالمشروع له أن يفطر، واستدل هؤلاء بأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم الثابت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم أتي يوم عرفة بقدح من لبن فشرب والناس ينظرون إليه، وهذا يدل على أن المشروع هو الفطر، ولهذا أعلنه النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضًا فإن الذين في عرفة مسافرون إن كانوا من غير أهل مكة فالأمر ظاهر وإن كانوا من أهل مكة، فالصحيح: أنهم مسافرون؛ لأن أهل مكة كانوا يقصرون مع الرسول صلى الله عليه وسلم ويجمعون في عرفة ومزدلفة وفي منى، وهذا يدل على أنهم مسافرون، وإذا قدر أن الرجل من أهل عرفة وحجَّ فهو في عرفة غير مسافر، فإن الأفضل له أن يفطر ليتقوى بذلك على الدعاء الذي هو مخصوص بهذا اليوم، وهو من أهم ما يكون:"خير الدعاء دعاء يوم عرفة"، والإنسان الصائم كما نعلم يكون في آخر النهار الذي هو أرجى الأوقات إجابة فيكون عنده كسل فيتعب ولا يكون قويًّا على الدعاء.
ومن فوائد الحديث: أن التفكير يكون في الماضي والمستقبل؛ لقوله:"الماضية والباقية"، ولكن المستقبل على سبيل الدوام مدى الحياة لم يرد إلا للرسول صلى الله عليه وسلم ولأهل بدر، أما في حق الرسول فقد قال الله تعالى:{ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر}[الفتح: ٢]. أما لأهل بدر:"فإن الله- سبحانه وتعالى- اطلع إلى أهل بدر وقال لهم: اعلموا ما شئتم فقد غفرت لكم"، وسبب ذلك أن هؤلاء القوم أتوا حسنى كبيرة عظيمة أعزَّ الله بها الإسلام وأهله وأذل الشرك وأهله، ولهذا سماه الله تعالى يوم الفرقان، فكان من شكر الله عز وجل لهؤلاء السادة أن قال لهم: