للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦٥٠ - وَعَن أَبِي ذَرًّ رضي الله عنه قَالَ: "أَمَرَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَن نَصُومَ مِنَ الشَّهر ثَلاثَةَ أَيَّامٍ: ثَلاثَ عَشرَةَ، وَأَربَعَ عَشرَةَ، وَخَمسَ عَشرَةً". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَالتَّرمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ.

"أمرنا"، الأمر: هو طلب الفعل على وجه الاستعلاء؛ لأن الأمر إن كان من الأعلى إلى الأدنى فهو أمر، ومن الأدنى إلى الأعلى سؤال، ومن المماثل للمماثل التماس، الأمر هنا للإرشاد وليس للوجوب، والأيام الثلاثة نصف الشهر، يعني: في منتصف الشهر، وتُسمَّى أيام البيض، أي: أيام الليالي البيض؛ وسُميَّت الليالي فيها بيضًا لابيضاضها بنور القمر، واختير هذا- وسط الشهر- لأن فيه مصلحة طبية للبدن؛ لأن الدم في هذه المُدة يفور ويزداد، والصيام في هذه الأيام يقلل من مضرته، فإن الدم كما يُقال: يتبع القمر؛ يزيد بزيادته وينقص بنقصانه، والقمر أكثر ما يكون امتلاء بالنور في هذه الأيام الثلاثة فلذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيامها.

ولكن صيام الأيام الثلاثة من كل شهر له جهتان.

الأولى: استحباب صيام الأيام الثلاثة مطلقًا.

الجهة الثانية: أن تكون في هذه الأيام، فاستحباب الأيام الثلاثة ثبتت من قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، فقد كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وقال: "صيام ثلاثة من كل شهر صيام الدهر كله"، ولكنها غير مُعيَّنة تصوم أول يوم، والحادي عشر، والتاسع والعشرين، فهذا يصح، تصوم الرابع، والخامس، والسادس، أو الخامس عشر، والسادس عشر، والسابع عشر، أو الخامس والعشرين، والسادس والعشرين، والسابع والعشرين، كل هذا يصح، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر لا يُبالي أفي أول الشهر صامها أو وسطه أو آخره".

إذن الوجه الثاني: أن تكون الثلاثة في هذه المدة المُعينة وهي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، ونظير ذلك الوتر سُنة من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، ولكن كونه في آخر الليل أفضل لمن يقوم آخر الليل، فهنا نقول في الأيام الثلاثة من كل شهر: هي سُنة مطلقًا وكونها في هذه الأيام الثلاثة أفضل، كما أن الصلاة في أول وقتها أفضل، والوتر في آخر الليل أفضل، فهذا اختيار وقت فقط، وإلا فهي مشروعة في أي وقت من الشهر.

يستفاد من هذا الحديث: أن الأمر قد يُراد به الإرشاد، وجه ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان

<<  <  ج: ص:  >  >>