للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجوب أو الاستحباب؟ الصحيح أنه على سبيل الاستحباب، وجه ذلك: أن فعله تعبدًا يرجح مشروعيته أو بالأصح يقتضي مشروعيته، والأصل عدم التأثيم بالترك إلا بدليل ففعله إياه يجعله مشروعًا، وعدم تأثيم التارك له يجعله من قسم المستحب لا الواجب، ولهذا كانت القاعدة عند جمهور الأصوليين: أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم المجرد يدل على الاستحباب لا على الوجوب وهذا هو الصحيح.

الرابع: ما كان مترددًا محتملًا لأن يكون على سبيل الجبلة والعادة أو على سبيل التعبد فهذا تجد العلماء يختلفون فيه، فمنهم من يقول: مستحب، ومنهم من يقول: ليس بمستحب في نوعه، ومثاله: إبقاء شعر الرأس للرجل، هل اتخاذ الشعر سنة أو هو من قسم العادة؟ كذلك أيضًا لبس النعال السبتية التي لها سبتة من ظهر القدم ولها سبتة من خلف العقل هل لبسها على سبيل العادة وبيان الجواز أو على سبيل الاستحباب، لكن المثال الأول أظهر وهو الشعر، فمن العلماء من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذه تعبدًا، وبناء على ذلك فإنه يسن لنا أن نتخذ الشعر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعله تعبدًا ونحن مأمورون باتباعه والتأسي به، ومنهم من قال: إنه فعله لا على سبيل التعبد بل على سبيل العادة، وأن الناس في ذلك الوقت يرون اتخاذ الشعر فلم يرغب النبي صلى الله عليه وسلم أن يخالفهم، ولهذا لما قدم المدينة وجد اليهود يسدلون شعورهم، ثم إنه صلى الله عليه وسلم أمر بمخالفتهم وصار يفرقه الأيمن لليمين والأيسر لليسار، وهذا يدل على أنه كان يتبع العادة وأن هذا ليس من الأمور المشروعة، لكن المشهور من مذهب الإمام أحمد أنه من الأمور المشروعة، ولهذا قال فيه: هو سنة لو نقوى عليه اتخذناه ولكن له كلفة ومؤنة، فلذلك كان الإمام أحمد يحلق رأسه؛ لأن هذا أسهل فلا يحتاج إلى ترحيل ولا دهن ولا شيء.

الخامس: ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بيانًا لمجمل أولًا: الذي يترجح عندي أن الأصل في المتردد فيه أنه يلحق بما كان عاديًا أو جبليًا، هذا هو القسم الخامس من أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم وهو فعله بيانًا لمجمل مثل أمر الله بأمر على سبيل الإجمال ففعله النبي صلى الله عليه وسلم فهذا له حكم المجمل، إن كان هذا المجمل واجبًا كان ذلك واجبًا، وإن كان مستحبًا كان ذلك مستحبًا، قد نمثل له بقوله تعالى: {وإن كنتم جنبًا فاطَّهَّروا} [المائدة: ٦]. وبقوله تعالى: {وأقيموا الصَّلوة} [البقرة: ٤٣]. فالرسول صلى الله عليه وسلم أقام الصلاة وتطهر اغتسل على صفة معينة فله حكم المجمل، لكننا نقول: إن قوله: {فاطَّهروا} الذي بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بفعله ظاهر السُّنة يقتضي أن فعله؛ يعني: كيفية الغسل ليست بواجبة، ففي حديث عمران بن الحصين الطويل الذي رواه البخاري في قصة

<<  <  ج: ص:  >  >>