تقول:"أفأحج عنه؟ " يعني: حج الفريضة، قال:"نعم" يعني: حجي عنه، وذلك في حجة الوداع، ذكر هذا ليفيد أن هذا الحكم متأخر؛ لئلا يقول قائل: لعله في أول الإسلام فنسخ، أو ما أشبه ذلك.
من فوائد الحديث - وهي مهمة -: جواز الإرداف على الدابة، ولو كان الإرداف حرامًا ما أردفه، ولكن يشترط لذلك أن تكون الدابة قوية وقادرة على تحمل الرديف، فإن كانت هزيلة ضعيفة ويشق عليها الإرداف فلا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله كتب الإحسان على كل شيء"().
ومن فوائد الحديث: تواضع النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث أردف الفضل بن العباس دون أشراف القوم، وأردف - كما ذكرت قبل قليل - في دفعه من عرفة إلى مزدلفة أسامة بن زيد.
ومن فوائد الحديث: أن الصحابة - رضي الله عنهم - من أحرص الناس على طلب العلم، ذكورهم وإناثهم؛ لقوله:"فجاءت امرأة من خثعم فسألت النبي صلى الله عليه وسلم".
ومنها: أن طلب العلم لا يختص بالرجال، فكما أن الرجل يشرع له طلب العلم بل يتعين عليه إذا كانت عبادته لا تقوم إلا به فإنه يتعين عليه وكذلك المرأة ولا فرق.
ومن فوائد الحديث: عدم جواز نظر الرجل إلى المرأة كما استدل به النووي وغيره من أهل العلم، والدليل صرف النبي صلى الله عليه وسلم وجه الفضل إلى الشق الآخر، وهل هذا عام، يعني: لا يجوز له أن ينظر إلى المرأة لا لشهوة ولا لغير شهوة، هذا الحديث هل يدل على العموم؟
قد يقول قائل: أن هنا شيئين تعارضا: ظاهر، وأصل، الظاهر هو أن الفضل كان ينظر إليها وتنظر إليه، وهذا يدل على شيء في النفس ورغبة، وإلا لما جعل ينظر إليها والرسول يصرف وجهه هذا ظاهر، وهنا أصل يضعف هذا الظاهر وهو زكاء الصحابة - رضي الله عنهم - ولاسيما في مثل هذه الحال وهو محرم، فإنه يبعد جدًّا أن ينظر إليها نظر شهوة، فأيهما نقدم: أنقدم الظاهر أم نقدم الأصل؟ الأصل، إذا قلنا بذلك لزم منه أن الرجل إذا رأى امرأة كاشفة الوجه وجب عليه أن يعرض وهو كذلك، ولكن هل ينكر عليها أو لا ينكر؟ إذا كانت في السوق يجب عليه الإنكار، وكذلك أيضًا إذا كانت في مكان يطلع عليها هذا الرجل، كما لو كانت في البيت عند زوجها، وأخي زوجها فإنه يجب الإنكار عليها إذا كانت كاشفة الوجه في هله الأحوال.
هل يستفاد من هذا الحديث: جواز كشف المرأة وجهها عند الرجال الأجانب؟ ممكن أن نقول: لا دليل على ذلك في الحديث، لأن فيه احتمالًا كبيرًا أنه لم يحضرها إلا النبي صلى الله عليه وسلم والفضل