ومن فوائد الحديث: ثبوت آية من آيات النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه وقت هذه المواقيت قبل أن تفتح هذه البلدان، وهذا إشارة إلى أنها سوف تفتح وسوف يحج أهلها وهذه مواقيتها.
ومن فوائد الحديث: أن من مر بهذه المواقيت من غير أهلها وجب عليه الإحرام منها ولا يجوز أن يتعداها إلى ميقاته الأصلي، فلو أن الشامي مر بالمدينة وقال: أنا سوف أوجل الإحرام إلى ميقاتي الأصلي وهو الجحفة. قلنا له: لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم:"ولمن أتى عليهن من غير أهلهن"، فأنت الآن مررت بميقات سابق فيجب عليك أن تحرم منه وهذا هو رأي الجمهور، وذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أنه يجوز للشامي أن يؤخر الميقات إذا مر بذي الحليفة ويحرم من الجحفة وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، ولكن الصواب مع الجمهور في هذه المسألة، وأن الإنسان إذا مر بالميقات يريد الحج والعمرة وجب عليه أن يحرم ولا يتجاوزه.
أما عن تجاوز هذه المواقيت لا يريد حجًا ولا عمرة ثم بدا له بعد تجاوزها أن يحج أو يعتمر فإنه لا يلزمه الرجوع، وإنما يحرم من حيث أنشأ النية، أما ميقات أهل مكة بل من كان في مكة فميقاته من مكة لقوله:"حتى أهل مكة من مكة"، وهذا في الحج ظاهر وواضح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلزم أهل مكة حين أراد الإحرام بالحج أن يخرجوا إلى الحل ولم يلزم الصحابة الذين حلوا أن يخرجوا إلى الحل، بل أحرموا من مكانهم.
فإن قلت: هل يشمل هذا العمرة؟
قلنا: قد قيل به، وإن من أراد العمرة من أهل مكة، يحرم من مكة ولكن هذا قول ضعيف؛ لأن هذا العموم خصص بحديث عائشة وبالمعنى أيضًا، أما تخصيصه بحديث عائشة فلأن عائشة لما أرادت أن تحرم وهي في مكة أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تخرج من الحرم فتهل بعمرة، وهذا يدل على أن مكة ليست ميقاتًا للإهلال بالعمرة؛ إذ لو كان كذلك لم يكلفها النبي صلى الله عليه وسلم أن تخرج في الليل من مكة إلى التنعيم لتحرم منه؛ لأننا نعلم أن دين الله تعالى يسر، وأن اليسر في هذه الحال أن تحرم من مكة، فلما لم يكن ذلك علم أن مكة ليست ميقاتًا للعمرة.
فإن قال قائل: عائشة ليست من أهل مكة
فالجواب: أن من لم يكن من أهل مكة إذا أراد النسك فحكمه حكم أهل مكة، بدليل أن الصحابة الذين أحرموا بالحج بعد أن حلوا من العمرة أحرموا من مكة كأهل مكة ولم يحرموا من الحل، وحينئذ لا فق فيمن كان بمكة بين أن يكون من أهلها الأصليين أو من الآفاقيين، أما من حديث المعنى: فإن العمرة معناها الزيارة، والزيارة لا تكون من المكان إلى المكان بل تكون من مكان إلى مكان آخر، وهذا لا يتحقق إلا إذا جاء الإنسان بالعمرة من خارج الحرم،