للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثًا: أنه أكثر عملًا، فإن الإنسان يأتي فيه بعمرة تامة وبحج تام، فيطوف طواف العمرة ويسعى ويطوف طواف الحج ويسعى، خلافًا لمن قال: إن المتمتع يكفيه السعي الأول سعي العمرة، فإن هذا قول ضعيف جدًا، ولا يصح من حيث الدليل، ولا من حيث التعليل، أما من حديث الدليل فإنه قد صح في البخاري وغيره من حديث ابن عباس وعائشة -رضي الله عنهم- أن الذين حلوا من إحرامهم طافوا بين الصفا والمروة طوافين، يعني: أنهم طافوا مرتين وسعوا سعيين، وأما من حيث المعنى: فلأن العمرة انفصلت عن الحج انفصالًا تامًا حتى إنه يفعل بينهما كل ما يفعل في حال الحل وهذا انفصال تام، فكيف يقال: إن جزءًا من العمرة يكون مجزئًا عن جزء من الحج.

رابعًا: أن الله تعالى أوجب على الإنسان أن يطوف بالصفا والمروة في الحج والعمرة فقال: {فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: ١٥٨]. إذن الحج لابد فيه من سعي والعمرة لابد فيها من سعي، وأما حديث جابر الذي اعتمد عليه من قال: إنه يكفيه سعي واحد وهو ما رواه مسلم أنه قال رضي الله عنه: "لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بالصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا طوافه الأول"، فهذا الجواب عنه سهل جدًا يقال: المراد بأصحابه الذين كانوا مثله وهم القارنون، ومعلوم أن القارن يكفيه سعي واحد، ولا يمكن أن يراد به كل أصحابه وذلك لحديث ابن عباس وعائشة -رضي الله عنهم- وللمعنى الذي أشرنا إليه، وكذلك من استدل بقوله: "دخلت العمرة في الحج وشبك بين أصابعه"، فهم أنفسهم لا يقولون بمقتضى ظاهر الحديث، لو أخذنا بمقتضى ظاهر الحديث لقلنا أيضًا: يكفيه طواف العمرة عن طواف الحج ولا قائل به وإنما دخلت العمرة في الحج، أي: أن الحج كما يكون في هذه الأشهر كذلك العمرة، وكذلك ما ثبت للحج من أحكام ثبت للعمرة إلا ما دل عليه الدليل، فإن العمرة دخلت في الحج فهي حج كما جاء في الحديث المرسل الذي تلقته الأمة بالقبول قل الرسول صلى الله عليه وسلم: "والعمرة حج أصغر".

أما القرآن فله صفة متفق عليها، وهي أن يحرم بالعمرة والحج جميعًا فيقول: لبيك عمرة وحجًا، فإذا قال من الميقات: لبيك عمرة وحجًا؛ فإذا قال من الميقات: لبيك عمرة وحجًا فهو قارن، وسبق أن صفة القرآن أنه إذا وصل مكة طاف وسعى وبقي على إحرامه إلى يوم العيد فيرمي جمرة العقبة ويحلق أو يقصر ويحل التحلل الأول.

الصفة الثانية للقرآن: أن يحرم بالعمرة ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في الطواف،

<<  <  ج: ص:  >  >>