وهذا وقع لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين أحرمت بالعمرة فحاضت فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن تحرم بالحج، وقال:"طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجتك وعمرتك"، فهنا أحرمت أولًا بالعمرة ثم أدخلت الحج عليها -على العمرة- قبل الشروع في الطواف، وهل هذه الصفة مشروطة بالضرورة، أو جائزة في حال الاختيار؟ المشهور من مذهب أحمد أنها جائزة حتى في حال الاختيار.
الصفة الثالثة: أن يحرم بالحج أولًا ثم يدخل العمرة عليه، يعني يقول:"لبيك حجة" من الميقات ثم يبدو له فيدخل العمرة عليه فيقول: "لبيك حجة وعمرة"، فهذا فيه خلاف؛ فمن العلماء من أجازه، وقال: لا بأس به، واستدل بظاهر فعل الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قالت عائشة: إنه أحرم بالحج مع أنه أتاه آت وقال له: "قل عمرة في حجة"، فيقولون: إن الجمع بين حديث عائشة والحديث الآخر: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج أولًا ثم أدخل العمرة عليه، وقالوا: إن العمرة أحد النسكين، فإذا جاز إدخال الحج عليها جاز إدخالها عليه، وحينئذ تكون الأفعال واحدة.
المهم: أن القرآن له ثلاث صور، والمشهور في الصورة الأخيرة من مذهب الحنابلة أنها لا تصح وقالوا إذا أدخل العمرة على الحج فإدخاله لا عبرة به ويبقى على نية الحج.
الإفراد له صورة واحدة وهي: أن يحرم بالحج وحده فيقول: "لبيك حجًا"، وإذا وصل مكة طاف وسعى وبقى على إحرامه إلى يوم العيد، ذكرنا أن التمتع كم وجهًا له؟ له أربعة أوجه، قلنا: إلا من ساق الهدي فالقرآن في حقه أفضل لتعذر التمتع في حقه، ولكن هل الأفضل أن يسوق الإنسان الهدي ويقرن، أو الأفضل ألا يسوق ويتمتع؟ في هذا خلاف بين العلماء، منهم من قال: الأفضل ألا يسوق ويتمتع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه:"لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، ولأحللت معكم"، ومنهم من قال: بل سوق الهدي والقرآن أفضل؛ لأن هذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، ولأنه أظهر في إظهار الشعائر؛ لأن الإنسان يسوق معه الهدي وهذا لاشك أن فيه من إظهار الشعائر ما ليس فيمن لم يسق الهدي، وأجابوا عن قوله:"لو استقبلت ... " إلخ. أنه قال ذلك من أجل أن يطيب قلوب أصحابه، وأنه يقول: لو علمت أن الأمر سيبلغ منكم ما بلغ حتى يشق عليكم هذه المشقة ما سقت الهدي ولأحللت معكم، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يترك الاختيار مراعاة لأصحابه كما ترك الجهاد صلى الله عليه وسلم في كل سرية مراعاة لأصحابه الذين لا يستطيعون أن يصاحبوه في كل سرية وليس عنده ما يحملهم عليه، فهو لا يحب أن يشق عليهم ولا عنده ما يعلمهم فيخرج به، وكما ترك الصيام مراعاة لأصحابه،