فقالوا: إن قوله: "لو استقبلت من أمري" لهذا المعني، وعندي أن الأقرب إن التمتع أفضل إلا لمن ساق الهدي، فالقرآن أفضل ليجمع بذلك بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله.
هذه الأنساك الثلاثة أيها التي يجب فيها الهدي؟ التمتع بالنص والإجماع، قال الله تعالى:{فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ}[البقرة: ١٩٦]. وهذا لا إشكال فيه، القارن كالمتمتع يلزمه الهدي، وهذا قول جمهور أهل العلم، ووجه مشابهته للمتمتع: أنه حصل له نسكان في سفر واحد، فقد تمتع بالعمرة بالترفه بترك أحد السفرين، يقول العلماء: إن القارن تمتع ليس في الحل بين العمرة والحج؛ لأنه ليس عنده حل، ولكن في ترك أحد السفرين؛ لأنه لو أحرم مفردًا لكانت العمرة تتطلب سفرًا آخر، فلما أحرم بهما جميعًا ترفه بترك السفر الثاني للعمرة، فهو مترفه بترك أحد السفرين، وهذا نوع من التمتع، وبهذا أدخله كثير من أهل العلم بنص الآية:{فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الحَجِّ}، ولهذا قال الإمام أحمد: إن القارن ليس كالمتمتع، يعني: أن وجوب الهدي عليه أمر لا إشكال فيه، إذن القارن عليه الهدي عند جمهور أهل العلم؛ لأنه متمتع بالترفة بترك أحد السفرين، أما المفرد فلا هدي عليه؛ لأنه لا يدخل في التمتع لا لفظًا ولا معنى فلا يجب عليه الهدي.
حديث عائشة رضي الله عنها فيه إشكال وهو قولها:"وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج"، قولها:"بالحج"، نقول: ذهب بعض العلماء إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفردًا بالحج وأخذوا بذلك، وقالوا: الإفراد أفضل من القرآن والتمتع، ولكن الصحيح: أن الرسول صلى الله عليه وسلم حج قارنًا، قال الإمام أحمد -وهو إمام أهل السنة والحديث-: لا أشك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنًا، والمتعة أحب إلي، وثبت في الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءه ملك وقال له: قل عمرة وحجة أو عمرة في حجة، وهذا لا يمكن أن يقع فيه مخالفة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحرم بالحج، فإذا كان الأمر كذلك فما الجواب عن الحديث؟ قال بعض العلماء: إنه لما كان فعل القارن كفعل المفرد ظنت عائشة رضي الله عنها أنه كان مفردًا وهذا ليس بصحيح؛ لأنه يقال: إذا كانت علمت أن بعض الصحابة أحرم بحج وعمرة فكيف تجهل أن الرسول صلى الله عليه وسلم أحرم بحج وعمرة! ! هذا شيء بعيد، ومنهم من قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أحرم أولًا بالحج، ثم أدخل العمرة عليه فقالت عائشة: أحرم بالحج باعتبار